الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

دروس من ألبانيا

فرغت لتوّي من مطالعة رواية بعنوان «الهرم» The Pyramid للروائي الألباني «إسماعيل كاداري»، والتي تحكي قصة بناء الفراعنة للهرم «خوفو» الذي يطل على القاهرة ووادي النيل، في إشارة توحي بالسطوة المطلقة للقوة على المجتمع البشري.

وقضى إسماعيل معظم أيام حياته تحت حكم أسوأ نظام دكتاتوري شيوعي، قاده أنور خوجة منذ نشأته السياسية عام 1945 وحتى وفاته، وكان نظامه القمعي يوصف بأنه الأكثر قسوة على سطح الأرض، ثم ما لبث أن سقط عام 1991 مع انهيار اتحاد الجمهوريات السوفييتية، ولم يتوانَ عن الاعتداء على الملكيات الخاصة وعمد إلى حظر النشاطات والفعاليات الدينية بكل أنواعها في هذا البلد الأوروبي الذي يدين معظم سكانه بالإسلام.

وكانت مصر في أيام «خوفو»، أي قبل 4000 عام، بلداً غنياً وقوياً إلا أن الفراعنة كما ورد في الرواية، خافوا من أن تحفز هذه الحياة الرغيدة السكان على مزاحمته على السلطة، ولهذا السبب، قرر بناء هرم ضخم لهدف محدد وهو أن يجعل السكان منشغلين بشكل دائم ومرهقين من قسوة المهمة، ويبدو أن هذا النموذج مشابه لحالة ألبانيا عندما كانت تحت حكم أنور خوجة، فبالرغم من ضآلة وفقر بلده، فلقد قرر إلغاء كل علاقاته مع العالم الخارجي فيما عدا دولة الصين الأكثر بعداً عن بلده ألبانيا من بين بلدان العالم كلها.


وعندما قمت بزيارتي الأولى إلى ألبانيا عام 1995، بدت لي وكأنها محطمة ومدمّرة تماماً، واندفعت حشود الناس لسلب ونهب ما يمكنهم سرقته من الأملاك العامة، واخترقوا المزارع والمصانع ومواقع المشاريع العامة وقاموا بانتزاع نوافذ وأبواب البيوت ومصابيح الإضاءة، ولكن بقيت ظاهرة مهمة لافتة للنظر، وتتمثل بألوف الملاجئ الإسمنتية الضخمة التي برزت في معظم أماكن الدولة وأبعدها، وحتى في أعالي الجروف الصخرية، وكانت كلفة إنشاء تلك الملاجئ باهظة وتطلّب إنشاؤها جهوداً ضخمة، ولم تكن هناك إلا مواقع محددة كان من المفترض أن يتولى الجيش الدفاع عنها ضد أي هجوم خارجي محتمل. وكان من المشكوك فيه أن يكون هذا النظام الدفاعي فعالاً لأن السكان كانوا على استعداد للترحيب بالغزاة الأجانب ويعتبرونهم محرريهم المنتظرين من الاستبداد، وبقيت تلك الكتل الإسمنتية من دون استخدام على الإطلاق وظلت في أماكنها لتشكل رمزاً لا معنى له للدكتاتور.


ولا يسعني الآن إلا التفكير بالأوضاع البائسة التي يواجهها الشعب التركي، وهو يعيش الآن بداية وضع اقتصادي صعب في وقت يعتبر فيه رئيسه نفسه السلطان الجديد للإمبراطورية العثمانية البائدة، وهو يقوم بتوظيف موارد بلده في خدمة أحلام بعيدة المنال، والمبالغة في الترف والبذخ والمغامرات العسكرية وفي رأي البعض أنه ينشر الفوضى وعدم الاستقرار في دول الجوار في وقت يزداد فيه العنف الداخلي.