الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

فرنسا.. اليسار والتعاطف مع المتطرفين

في سلسلة الصعوبات التي تواجهها فرنسا في إدارة قضايا الدين الإسلامي ثاني ديانة في البلاد بعد المسيحية، جاء مسلسل جديد ليصب النار على التحديات، التي تحترق منذ سنوات النموذج العلماني الفرنسي، وتُسَائِل قدرته على التناغم معها.

فمنذ أيام يخيم جدل صاخب على الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية، بسبب التصريحات التي أدلت بها وزيرة التعليم العالي «دومنيك فيدال» تتهم فيها بعض مراكز البحوث العلمي والجامعي، باحتضان وتشجيع ما يسمى إعلاميّاً بتعاطف قوى اليسار مع التطرف الإسلامي.

وفور إطلاق هذه التصريحات، صدرت عن أحزاب يسارية مواقف نارية تتهم الوزيرة الفرنسية ومن ورائها الرئيس الفرنسي بالتوجه نحو إنشاء ما أسموه بالبوليس السياسي، الذي يلاحق الأفكار ويحاول أن يهمش أصحاب المقاربات المختلفة، التي هي أساس البحث العلمي المبني على الشك والجدل.


التهاب هذا النقاش في فرنسا جاء على خلفيّة مساءلة يومية تقوم بها بعض الأحزاب الفرنسية اليمينية واليمينية المتطرفة عن خطر التطرف الديني الإسلامي، الذي يهيئ البيئة الحاضنة للعمليات الإرهابية التي ضربت المجتمع الفرنسي في السنوات الأخيرة.


انتقادات لاذعة استهدفت الوزيرة دومنيك فيدال تطال أجندة الأولويات.. ففي الوقت الذي يعيش فيه طلبة فرنسا وضعاً اقتصادياً واجتماعياً مزرياً بسبب تداعيات كورونا، أدى ببعضهم إلى العيش في وضع جوع وعزلة وحرمان شبه تام.. تساءل البعض عن الأهمية القصوى التي توليها هذه الوزارة لتواطؤ اليسار مع التطرف الديني الإسلامي، في الوقت الذي ظهر فيه غياب شبه كامل لمعالجة الأزمات التي يمر بها طلبة فرنسا.

وقد وجهت اتهامات للوزيرة فيدال بأن مواقفها تخدم أجندة سياسية يراد من خلالها إعطاء الانطباع بأن الحكومة تريد سحب البساط من تحت أقدام اليمين واليمين المتطرف، وبعض قوى اليسار التي يجسدها رئيس الحكومة السابق مانويل فالس.

تلك القوى تعيب على الرئيس ماكرون ضعفه في تدبير هذه القضايا الأمنية، وذلك عشية استحقاقات انتخابية يتوقع أن تكون ضمن إشكالياتها: الهوية والأمن الاجتماعي والعلاقة مع الآخر.

جدل مسموم إذن بكل معنى الكلمة، ومغامرة خطيرة قد تكون لها انعكاسات سلبية على سمعة الرئيس ماكرون إذا تولد الانطباع لدى شرائح واسعة من اليسار الفرنسي، أنه وتحت ذريعة محاربة التطرف قد يتَّجه إلى الحد من حريتهم، وهامش مناوراتهم.