الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

اليوم صفر

تقع مدينة «تشيناي» الساحلية في جنوب الهند، يعيش فيها (11) مليون نسمة، كانت المدينة محاطة بالمستنقعات وبرك المياه قبل عقود، لكن السكان قاموا بتجفيف 90% من هذه المساحة المائية التي لطالما كانت تمثل احتياطي المياه العذبة، وفي مساحات مائية أخرى جرى إلقاء المخلفات وسدّ الكثير من حواف القنوات.

على أثر تلك الأخطاء ومعدل زيادة وتيرة التغيّر المناخي، أصبحت المدينة على حافة الجفاف، والخزانات الأربعة الكبرى التي تحاول إنقاذها لم تصمد إزاء التحديات البيئية المتصاعدة، وحسب موقع «بي بي سي» فإن السلطات أعلنت في صيف 2019 نفاد مياه الخزانات، والوصول إلى حالة الانعدام التام للمياه العذبة فيما جرى تسميته الوصول إلى «اليوم الصفر».

راحت الحكومة تسيّر القطارات من مسافة 200 كم إلى «تشيناي»، لكن المدينة بشكل عام ستظل تعاني وطأة «الإجهاد المائي».


حسب معاهد المياه العالمية فإن عدداً كبيراً من الدول والمدن دخلت مرحلة «الإجهاد المائي» من الهند إلى تركيا إلى المكسيك، فنحو ثلث العالم يعاني شحّ المياه.


طالب الملياردير الأمريكي بيل غيتس بالتخلي التدريجي عن البروتين الحيواني، ذلك أن الإنتاج الحيواني حول العالم يستهلك الكثير من المياه العذبة، ويشكل فضلاً عن ذلك أحد عوامل الاحتباس الحراري الرئيسية.

إن الزراعة كثيفة المياه كالأرز تستهلك الكثير من المياه، وتربية الماشية تحتاج بدورها إلى كميات كبيرة من المياه التي يجري استخدامها لإنتاج المراعي اللازمة، كما أن عدد السكان الذي يتزايد كل يوم ليصل إلى 10 مليارات نسمة عام 2050 يشكل ضغطاً هائلاً على المياه، يضاف إلى ذلك النمو الصناعي الكبير في العديد من دول العالم ما يجعل الاستخدام الصناعي للمياه جانباً مهماً في الأزمة.

إن مربع الأزمة هو ببساطة: الإنسان، والحيوان، والنبات، والصناعة، حيث يزيد طلب المربع على المياه بالقدر الذي يستحيل تحقيقه تقريباً، وما من حل سوى ترشيد استخدام المياه لأضلاع المربع، ولا مخرج آخر بكل تأكيد.

إن قضية الجفاف والتصحر وندرة المياه ليست بالأمر الجديد، فمنذ عشرات السنين والعلماء يحذرون من عدم التعامل الجاد مع الأزمة، وأتذكر أنني حين شاركت في المنتدى الدولي للمياه في لاهاي عام 2000 كان الخبراء يتحدثون عن أزمة عالمية ستكون الأكثر تهديداً لحياة الإنسان، حتى إن البعض طرح أفكاراً متطرفة للحل من قبيل خصخصة الأنهار، أو تأجير الأنهار للشركات الكبرى، ثم يجري توزيع المياه على دول النهر.

يقع الشرق الأوسط في قلب الأزمة، ويهدد نفاد المياه الجوفية وأزمات أخرى مصادر المياه لملايين السُّكان في السنوات المقبلة، ويمكن أن نلحظ ذلك بسهولة في حرب السدود، وفي نهر دجلة الذي خسر الكثير من مساحته فيما كان سابقاً من أكبر أنهار العالم.. من الواجب أن نعمل جميعاً على إنقاذ أنفسنا وإنقاذ كوكبنا، قبل أن تشهد مدن ومجتمعات أخرى، ما شهدته المدينة الهندية من الوصول إلى «اليوم صفر».