الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

النهضة المرتقبة.. مشروعها شامل

يشكو أهل العلم والمعرفة والتقانة والابتكار في عالمنا العربي، من تأخر مجالاتهم وعدم قدرتها على مواكبة التطور العالمي، وكذلك يفعل أهل الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها، ولطالما شكا الشباب والإعلاميون والناشطون والمثقفون والرياضيون والموهوبون وغيرهم من عدم الاهتمام بهم وتوفير المناخ المحفّز لهم، وأما الناس فقد أسِفهم سوء الخدمات المقدّمة وضعف البنية التحتية وتأخر التنمية والتحديث.. إلخ.

وأُصيبت الشعوب العربية بالإحباط للحال المتردي الذي وصلت إليه أُمتنا، حيث التأخر والتبعية والتفكك والضعف، وضياع الحقوق وعجز واضح في الدفاع عن قضايانا العادلة واستهداف مستمر من الآخر لنا.

ويعتقد أصحاب كل مجال وتخصص، أن ثمة عوامل فنية وقانونية وإدارية ومالية تقف وراء تأخر وإخفاق ملفهم، وهم يحاولون التذكير بمعاناتهم دائماً، ومحاولة التغلب عليها، ودفع المسؤولين لتحقيق مطالبهم، معتقدين أن الأسباب المذكورة وغيرها، هي التي تقف عائقاً يحول دون ذلك.


لكن الأمر حقيقة أكبر من هذا، ويتجاوز كل تلك الأسباب والمعوقات على أهميتها، إنه يتعلق بمشروع نهوض كامل، فنهضة الأمة تكون شاملة متكاملة، ولا تكون مجزّأة أو متوقفة على مشروع هنا أو دعم هناك.


وإنما هي مشروع أممي كامل بأبعاد فكرية وسياسية واجتماعية، تستند إلى هوية حضارية واضحة ورؤية شاملة وإرادة سياسية حقيقية، وبغير ذلك، ستبقى الأمور تراوح مكانها ولن تنفعها بعض التسكينات المؤقتة أو الترقيعات الشكلية أو جلد الذات المستمر.

ولو ألقينا نظرة على تجارب بعض الأمم في النهوض والتفوق والانتصار، لوجدنا أن ملف التمكين كان كاملاً شاملاً، فلا توجد هناك نهضة جزئية أو تفوق مؤقت.

المفارقة الغريبة، أن كل عوامل النهضة والقوة والتمكين موجودة عندنا ومتوافرة بين أيدينا، وكل ما نحتاج إليه هو انطلاقة حضارية شاملة تبدأ بالفكر والإنسان وتنتهي بهما، مبنية على أسس فكرية وسياسية واضحة، وخطة نهوض سليمة تعتمد على رسالتنا وحقوقنا وإمكاناتنا وقدراتنا، تقودها وتنفذهها إدارة سياسية تؤمن بها، تحمل بطريقها كل القضايا والملفات والإشكاليات لتصل بالجميع إلى بر الأمان وطريق النجاح والريادة.

قد يقول البعض: كيف يمكن الحديث عن كل هذا، وسط الحروب والدمار والتفرق والتأزّم والإحباط الحاصل اليوم؟

في الواقع، ربما العكس هو الصحيح، فقد يكون ذلك فرصة حقيقية لمكونات الأمة، كي تراجع حساباتها وتستفيد من أخطائها وتحدد أهدافها وترسم خطة نهوضها وتتوافق عليها، فكم من أمة بُعثت من تحت الرماد، فما بالك بأمة، لا تعرف لغير العزة والتفوق سبيلاً، والتاريخ شاهد ودليل.