السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

إقليم «موزيل» في قلب الكارثة

يواجه سكان إقليم «موزيل» الواقع شمال شرق فرنسا قراراً صدر الأسبوع الماضي يمنع السكان من عبور حدود بلدهم إلى ألمانيا المجاورة، ويبدو الإقليم الآن ملوّناً باللون الأحمر على الخريطة بسبب الانتشار السريع والمفاجئ لمجموعة من سلالات «كوفيد» المتحوّرة.

وأثار القرار الكثير من المشاعر الحزينة على جانبي الحدود، وخاصة على الجانب الفرنسي، لأن معظم سكان المنطقة يعملون في ألمانيا بسبب ارتفاع الرواتب وفرص التسوّق المتاحة، والتمتع بعطل نهايات الأسابيع التي يقضونها هناك، كما تعتمد ألمانيا على هذه الأيدي العاملة.

هذه العلاقات متجذّرة ليس في الجغرافيا وحدها، بل في التاريخ والثقافة أيضاً على جانبي الحدود بالإضافة لدولة لوكسمبورغ، وكل هذه الشعوب تتحدث اللهجات المشتقة من اللغة الألمانية، وهذا يفسر سبب مطالبة ألمانيا باسترجاع إقليم الموزيل من فرنسا باعتباره يشكل جزءاً من منطقة الألزاس المجاورة، وذلك بعد توحيد ألمانيا عقب الانتصار البيروسي على الإمبراطورية الفرنسية الثالثة عام 1871.


وتمكنت فرنسا من استعادة الإقليمين عام 1918 عقب انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، ثم استعادتهما ألمانيا مرة أخرى خلال الغزو النازي الذي سبق الحرب العالمية الثانية التي اندلعت عام 1939.


ولهذه الأسباب، يبدو للوهلة الأولى وكأن المنطقة كانت تُعدّ نموذجاً للصداقة والتعاون منذ كانت الوحدة الأوروبية في الأطوار الأولى لنشأتها، ولكن على العكس من ذلك، أثبتت بالدليل القاطع أن الاتحاد الأوروبي لا يمثل أكثر مما كانت تمثل السوق الأوروبية المشتركة في بداية ظهورها عام 1957.

ولا تزال كل دولة عضوة في الاتحاد تحرص على حماية هويتها والتمسّك بانتمائها، حتى لو كان ذلك يتعارض مع إرادة ومصالح مواطنيها، ويتّضح من ذلك مرة أخرى أن الأوبئة هي عامل يمكنه أن يكشف عن الحالة الحقيقية التي تميز الشأن العالمي.

ولا تزال ألمانيا تشكل دولة فيدرالية تدير المستشارة أنجيلا ميركل شؤونها العامة من خلال التعامل مع رؤساء وزراء 15 ولاية فيدرالية، ويمتلك كل منهم اليد الطولى في حكم الولاية التي يرأسها.

وفي المقابل، تُعتبر فرنسا دولة مركزية بكل ما في الكلمة من معنى، حيث يقودها رئيس قوي يستأثر بالسلطة التنفيذية الشاملة لمدة 5 سنوات ويُعتبر «الملك الجمهوري» ولا يلعب البرلمان دوراً يُذكر في صناعة القرارات وتشريع القوانين.

وهذا القصور الواضح في التنسيق والتعاون بين دول الاتحاد الأوروبي لمكافحة فيروس كورونا هو الذي يؤدي إلى تفشي المرض وانتشاره بسرعة، ويُعتبر هذا القصور أيضاً اختباراً عملياً لمستوى الشعور بالتضامن بين الدول العضوة في الاتحاد.

ولا شك بأن هذه الحقائق ستترتب عليها نتائج بعيدة المدى فضلاً عن أن من شأنها أن تشلّ قدرة الاتحاد على مواجهة التحديات المستقبلية بالاعتماد على كفاءة وقدرة أعضائه، وعلى أن الوحدة التي يمكنها أن تفسح المجال أمام أوروبا للعب دور بارز في شؤون العالم ومشاكله ليست واضحة المعالم حتى الآن.