الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

صناعة المستقبل بين تكساس وبكين

في ظلِّ انشغال العالم بجائحة كورونا، مرّ وسط ركام الإعلام والمعلومات خبران في غاية الأهمية والدلالة، الخبر الأول جاء من ولاية تكساس في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، وهي من أغنى الولايات؛ إن لم تكن أغناها بعد كاليفورنيا، حيث في أحشائها معظم البترول الأمريكي، وعلى ظهرها أهم مناطق الزراعة والثروة الحيوانية... تكساس شهدت في هذا الشتاء ظاهرة مناخية فريدة؛ حيث اجتاحتها موجة صقيع غير مسبوقة وصلت إلى حد التجمد، فانهارت جميع الخدمات، تجمدت مياه الشرب، ولم تصل إلى البيوت، وانقطعت الكهرباء، وفقد المجتمع مصادر التدفئة، ومات نتيجة للبرد وانعدام الخدمات أكثر من سبعين شخصاً حسب المعلومات الأولية.

ذهب الرئيس «جو بايدن» وزوجته وقدما التعازي، وأطلق الرئيس تصريحات تدخل في سياق البلاغة اللفظية، ورسائل العلاقات العامة الخالية من المضمون الحقيقي، فقد شكر الأبطال الذين واجهوا الظروف الصعبة، ونسي أن يذكر أن الولايات المتحدة لم تشهد منذ عهد ترومان وإيزنهاور في خمسينيات القرن الماضي أي نهضة حقيقية في البنية التحتية، وأنها في كثير من مناطقها أصبحت تنافس العالم الثالث، فحين تنقطع الكهرباء لا تعود إلا بعد زمن يموت خلاله العديد من البشر البسطاء والضعفاء.

وفي الطرف الآخر من العالم، في العاصمة الصينية بكين أعلن الرئيس «شي جين بينغ» احتفال الصين بالقضاء على الفقر المدقع قضاءً نهائياً، بحيث لا يوجد أحد يعيش تحت خط الفقر المدقع في الصين، والمقصود بالفقر المدقع هو عدم توفر الغذاء الصحي المناسب، واللباس الكريم.


فقد بدأت الصين حملتها للقضاء على الفقر المدقع منذ بداية ثمانيات القرن الماضي، حيث كان الفقراء في بداية الحملة أكثر من 840 مليون إنسان، تمَّ انتشالهم من معاناة الفقر والبرد والمذلة إلى حالة تحفظ كرامة الإنسان.


على مدى أربعين عاماً نجحت الصين في القضاء على الفقر المدقع في مجتمع يتجاوز تعداد سكانه 1300 مليون إنسان، وقدمت للبشرية نموذجاً يمكن أن تستفيد منه دول العالم الثالث للقضاء على المشكلة الإنسانية الكبرى التي تواجه البشرية، والتي تعد أم جميع المشكلات، وهي مشكلة الفقر، فلا قيمة للتنمية، ولا للتقدم العلمي والحضاري ولا للمدن الكبرى، ولا لمؤشرات النمو طالما هناك فقير واحد في المجتمع يفتقد الطعام النظيف واللباس الكريم.

ما بين تكساس وبكين دروس وعبر تحتاج أن يتم استخلاصها والتعلم منها، من أجل صياغة مستقبل البشرية، جوهرها قيمة الإنسان، وموقع الإنسان في كل ما تقوم به الدول، وغير ذلك تفاصيل وإجراءات.