الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الجهر بالقول.. ودور البطانة

لم يعد الجهر بالقول لرفض سياسات كثيرة في دولنا العربية يُجْدي نفعاً، كما أنه لا يؤثر على قلوب كنا نحسب أصحابها يحملون أذناً واعية، أما البوح بما في الصدور مع خفض في الصوت، واختيار للكلمات، وحساب للزمن، فذاك ـ عند من لنا في مواقفهم نفع وضرّ ـ قد لا يحاسب عنه القانون، ولكن لا يقبل من أولئك الذين هم فوقه.

هكذا إذن ضاع منّا الجهر والبوح، حتى لو جاءا استعطافاً في محاولة للتقليل من الأوجاع، التي نُجْبر في أحيان كثيرة على قبولها، دون أن تصحب بآهات، أو زفرات، نحن في أمس الحاجة إليها.. هنا يطرح السؤال الآتي: ما العمل وقد غُلبت العرب ـ شعوباً وجماعات وأفراداً ـ في أدنى الأرض وأقصاها من أوضاع هي الأزمة ذاتها؟

أعرف أن العرب جميعهم ـ مُستكبرين ومُستضعفين ـ قد كرهوا الوصف لأنه حقيقة دامغة، ولأنه يجعلهم أسرى أوضاعهم، فكل منَّا يُدْرك بوعي داخله أن كثيراً من الكبراء والسَّادة قد أضلونا وأنفسهم السبيل، وعلى خطاهم نسير، وسنشهد بذلك في الدنيا إن تغيروا على النحو الذي عشناه في بعض دولنا خلال السنوات الماضية، حين تبرأنا منهم قبل أن يتبرّؤوا منا، وسنشهده عليهم في الآخرة، وقد يلعن يومها بعضنا بعضاً.


وحتى لا يبلغ الأمر مداه سواء من جهة الإقرار بالهزيمة واعتبارها انتصاراً، أو من ناحية رهن المصير الأخروي بتوقعات واهية لا تشي بها في الوقت الحالي مقدمات الأفعال، خاصة السياسية، فإن لا خيار أمامنا إلا تحديد المواقع، مع صدق في القول، وتحمل المسؤولية بشكل جماعي.


ليس كُبراء القوم والسادة، هم من منعونا ـ بأساليب شتى ـ الجهر بالقول فقط، ولا حتى استنطاقنا لمعرفة ما تخبئه الصدور من أسرار، إنما نحن ـ نخباً وعامة ـ من اختاروا أن يقدموا أنفسهم طواعية للمشاركة في الهزيمة، مع عدم تحمل مسؤوليتها، وأدَّيْنا في أغلب الأوقات دور بطانة السوء، حين زيَّنَا لهم سوء أعمالهم، أو بالغنا في مدح الطيب منها فأفقدناه معناه وقيمته، ومعه فقدنا أنفسنا معناها الروحي، وكيانها الوجودي، وبعدها القيمي، وكثير منا لم يعد يبحث عنها، وتلك هي المصيبة الكبرى، لأنها تعني إلغاء العقل.

رغم هذا كلّه، لا نزال نعتقد في سلامة عقولنا، محاولين تجاهل دور الآخر في المقايضة من أجل حريتنا، التي يدفع كثيرون ثمنها مقابل أن يعفو من بيده عُقْدة السلطة على المُجاهِرِين بقول الحق أمام المُلوَّثة عقولهم وأيديهم، وننسى أن كُلاً منا وبغض النظر عن موقعه ودوره وحديثه، سيكون ضمن قول الله تعالى: «وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا»(سورة: مريم ـ الآية 95)