الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

البابا.. والحج إلى العراق

كان هناك أكثر من سبب كي يلغي قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثولكية زيارته إلى العراق، فهناك كوفيد-19 الذي يخيم بمخاوفه الكئيبة على البشر جميعاً ويدفعهم إلى التباعد والانزواء.

وهناك كذلك الحالة الأمنية غير المستقرة، صواريخ تلعب في الفضاء العراقي وميليشيات تتحرك على الأرض، ودواعش يحاولون الانتعاش مجدداً، وفوق ذلك كله فإن الحبر الأعظم كهل ويتحرك بصعوبة ومعاناة، لكن الأهداف النبيلة تستحق السعي إليها والتضحية، بل المغامرة للوصول إليها، إذْ أصرَّ قداسة البابا على إتمام الزيارة متجاوزاً كل المحاذير، وحطت طائرته في مطار بغداد ظهر يوم الجمعة.

بالتأكيد، العراق يستحق الزيارة، بتعبير قداسة البابا جئتكم حاجّاً، تائباً، هناك مدينة أور، حيث نشأ أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام، والذي تنسب إليه الديانات التوحيدية الثلاث.


ففي أور كانت معركة النبي إبراهيم الأولى لإقرار التوحيد، وقد ذكر لنا القرآن الكريم رحلة إبراهيم النفسية والفكرية حتى توصل إلى أن الله واحد أحد.


ومن أور أيضاً انطلق أبو الأنبياء إلى فلسطين والأردن، ثم مصر حيث أقام بها فترة وتزوج منها السيدة هاجر وغادرها إلى الجزيرة العربية، وتحديداً إلى مكة المكرمة، وليست أور وحدها الثرية روحياً وحضارياً، ففي كل مدينة بالعراق معلم حضاري وتاريخي.

بالتأكيد استهدفت الزيارة رفع الروح المعنوية للمسيحيين العراقيين، الذين عانوا جرائم الدواعش والحروب المذهبية التي عاناها كل العراقيين، ففي السنوات العشر الأخيرة انخفضت أعداد المسيحيين إلى أقل من الثلث، بفعل التهجير والقتل، لكن الزيارة حملت حلم ومعنى السلام والاستقرار إلى العراق الشقيق، الذي آن له أن ينعم بالسلام والاستقرار.

الكلمات التي ردَّدها قداسة البابا في حجِّه إلى العراق تستحق أن نسمعها جميعاً: كلنا أخوة، كلنا بلا استثناء، قال أيضاً: لا يجب أن يستعمل اسم الله في القتل والعنف، فلقد عانى العراق والعراقيون كثيراً، وشعوب المنطقة العربية، من العنف والإرهاب الذي حاول أن يتمترس خلف بعض المبادئ الدينية المقدسة، ولا بديل من أن ندحر الإرهابيين.

وصف قداسة البابا زيارته التاريخية إلى العراق بأنها حج. وقبل سنوات حين زار مصر، رفع النداء: حجُّوا إلى مصر، والمعنى هنا أن كل البلاد والأوطان ينبغي أن تكون مقدسة في النظر إليها، والتعامل مع أهلها وشعوبها، باختصار الأرض مقدسة، والإنسان يستحق الاحترام لكونه إنساناً.