الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

ساحل العاج ـ السنغال.. والجروح النازفة

عام 1976، هبطت بي الطائرة في مطار دكار بالسنغال، وسارعت لشراء دراجة قديمة وحملت شنطتي على كتفي واتجهت جنوباً، وكل مساء كنت أمرّ في قرية أو بلدة صغيرة، وكنت أخوض نقاشات لا تنتهي مع كبار السن، وأتحدث مع الصيدلي ومعلم المدرسة والتاجر، وفي النهاية، وصلت إلى أراضي «كازامانس» التي تقع بين غابة كثيفة وحقول زراعة الأرز، وبين النهر الذي تحمل اسمه والمحيط.

وفي عام 2007، هبطت في مطار أبيدجان في ساحل العاج لأحلّ ضيفاً على «مؤتمر الصحفيين الأفارقة»، وكان يتحتم عليّ أن أصل إلى العاصمة «ياموسوكرو» صباح اليوم التالي، وكانت الساعة قد قاربت العاشرة مساء، وأخبرني المارة بأن الطريق يكون مغلقاً في الليل، إلا أنني كنت مُِصرّاً على العبور وذهبت.

وعند كل حاجز تفتيش، كان رجال الشرطة أو الجيش يطلبون مني الانتظار حتى الفجر وكنت أمرّ في النهاية، وكانت الحرب الأهلية انتهت، لكن قُطّاع الطرق الآتين من ليبيريا كان من الممكن أن يطلقوا علينا نيران أسلحتهم حتى ينهبوا محتويات السيارة، إلا أن الحظَّ حالفنا هذه المرة فوصلنا إلى مقصدنا بأمان وبما أثار دهشة مضيفينا.


وسارت أمور المؤتمرعلى النحو السليم بعد أن افتتحه رئيس الدولة واختتمه رئيس الوزراء، ومع ذلك فلقد رفضت السلطات زيارتنا المخططة لمدينة «بواكي» القريبة، وهي معقل رئيس الوزراء.


ولقد تراءت إلى ذهني هذه الذكريات المتضاربة فيما كنت أستمع إلى الأخبار اليومية في هذه الدولة الأفريقية الغربية، إذ يبدو من الناحية الظاهريَّة أن شعب ساحل العاج ينعم بالاستقرار والازدهار الاقتصادي، وهو يمتلك تجربة في الممارسة الديمقراطية من خلال استطلاعات الرأي التي تنظم بشكل مستمر والنقاش السياسي الذي تتشاركه الأحزاب المتنافسة، إلا أنه أصبح الآن على حافة الانهيار بسبب الفوضى والاضطرابات السياسية.

ونعرّج الآن على السنغال لنلقي نظرة على أوضاعها، فلقد أدارت ظهرها لمقومات دولة القانون التي أرسى أسسها رئيسها الأول ليوبولد سنغور، وهو الشاعر الشهير وأحد أبرز روّاد التبشير بانبعاث النهضة الثقافية الأفريقية والدعوة للتمسك بكرامة الإنسان الأفريقي.

وأما ساحل العاج التي تشاء الصدف أن يكون أول رئيس لها هو الدكتور «فيليكس أوفوي بوانيي» الذي كان وزيراً في حكومة الجنرال ديغول، فلكنها سرعان ما تحولت إلى مسرح لتنافس المتقاتلين على السلطة من رعيل الأفيال القديمة التي تقدم هذا العرض السياسي غير المطمئن، وتوحي الاستفتاءات التشريعية التي نُظمت مؤخراً، والتي جاءت بعد استفتاء مشكوك فيه على اختيار الرئيس، باحتمال وقوع أحداث تراق فيها دماء جديدة.

وخلافاً لدول منطقة الساحل، فإن هاتين الدولتين الواقعتين على شواطىء المحيط الأطلسي تستأثران بموارد اقتصادية مهمة إلا أنهما تعانيان من صراعات طائفية وعرقيّة تجعل من السهل زعزعة استقرارهما السياسي، وخاصة إذا لم تتم مواجهة التحديات التي تفرض التقاسم العادل للسلطة والثروة وتأمين الوظائف للشباب بشكل عاجل.