الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

تونس وليبيا.. استرجاع العقل

زيارة الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى ليبيا، الأربعاء الماضي (17 مارس الجاري)، كانت زيارة مهمة وفق المنظورين التونسي والليبي، وقد أجمعت التصريحات الرسمية، من البلدين، على «تاريخية» الزيارة، لكنها بقدر ما أنتجته من حركية في الدبلوماسية التونسية، فإنها كشفت أيضاً فكرة مفادها: أن الرئيس التونسي يستفيد من افتقاد المعنى لدى خصومه، ممن يقرؤون الأحداث السياسية بلغتهم الحزبية، لا من منطلق مصلحة البلاد والمنطقة.

توقيت زيارة سعيد ليبيا، في اليوم التالي لتسلم حكومة عبدالحميد الدبيبة مهامه على رأس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، أضفى على الحدث رمزيات سياسية كثيرة.

من محطة ليبيا، استعاد الرئيس التونسي دوره الدبلوماسي في ملف شائك، هذا الملف مثَّل طيلة سنوات، ملعباً مفضّلاً لسياسة المحاور، ما جعل الدبلوماسية التونسية تنتصر للجناح «الإخواني» في ليبيا.


على ذلك، استُبقت الزيارة بحملة تشكيك ونقد واسعيْن، نبعت من حركة النهضة الإخوانية وتوابعها، من منطلق أن قيس سعيد رفض سابقاً الانتصار لشق فايز السراج، وأبى الانصياع لعرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي جاء مطالباً، في ديسمبر 2019، بالدعم التونسي للسراج ضد تحركات المشير خليفة حفتر.


كانت زيارة سعيّد إلى ليبيا مقياساً دقيقاً للمسافة الفاصلة في تونس بين رؤية تيار وطني، يقرأ التغيرات الليبية وفق مصلحة البلدين، ويقيم كلفة الأزمة على تونس واقتصادها، وبين تيار آخر يُقيّمُ الأحداث الليبية الجديدة وفق مصلحة الحلفاء الإسلامويين في طرابلس ورعاتهم الإقليميين، ولذلك أيضاً تشنجت حركة النهضة من حصاد الزيارة وجدواها.

ولم تكن تلك المواقف منزعجة فقط من تشخيص سعيد للأزمة الليبية وتصورها لحلولها، بل كانت مستاءة أيضاً من إصراره على استعادة الدبلوماسية التونسية لتوازنها واسترجاعها من براثن المحور الذي رسمتها فيه حركة النهضة.

يمكن اعتبار زيارة سعيد إلى ليبيا أهم خطوة دبلوماسية خطاها منذ صعوده سدة الرئاسة في تونس، وبقدر ما كان الرهان التونسي الليبي رهاناً اقتصادياً يلتقط ما تَعدُ به اللحظة الليبية الجديدة، فإن المناكفات الحزبية في تونس راوحت مكانها، وحاولت التشويش على الزيارة، وهو تشويش وجد صداه في ليبيا لدى بعض الأطراف الإخوانية التي شككت بدورها في الجدوى والمآلات.

انشغلت الرئاسة التونسية ببحث سبل نجاح المسار الانتقالي في ليبيا، وملف تأمين الحدود المشتركة بين البلدين، ودراسة الجدوى الاقتصادية المتبادلة بينهما، فيما انصب اهتمام الأطراف الإخوانية التونسية والليبية على طرق تأمين مكاسب الحضور الإخواني في طرابلس، وبين الرؤيتين «بون» شاسع توصل سعيّد إلى تأكيده خلال زيارة خاطفة.