الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

تصورات لعالم متحرك

كثيرون يتنبؤون بنهاية حقبة العولمة.. هذه الأطروحة ظلت تتكرر منذ عدة سنوات، ودعم تفشي وباء كورونا فرضياتها، باعتبار أن التغيرات الجذرية التي طرأت على أنماط الحياة بسبب تفشي الوباء سرّعت في تحريك كثير من القضايا المعلقة التي كانت إحداها مسألة العولمة.

منذ تسعينات القرن الماضي، لم يشغل العالم (مفهوم) مثل مفهوم العولمة، مئات الآلاف من الدراسات والتحليلات والمحاضرات والندوات التي فندت مفهوم العولمة ومجالاتها وآثارها، العولمة الاقتصادية والتجارة الحرة، العولمة السياسية وتحرك الجيوش خارج حدودها، العولمة الثقافية وغزو (سندويتشات ماكدونالز) العالم بأسره، إيجابيَّات عديدة، وسلبيات كثيرة أوردتها الدراسات الضخمة التي أنتجها حراك العولمة، الانفتاح العالمي وتحول العالم إلى قرية صغيرة، التبادل التجاري وانخفاض أسعار السلع وتمتع معظم الفئات بالسلع الكماليَّة.

وكذلك، القلق على الهويات الوطنية من الأفكار الدخيلة، الخوف على الإنتاج المحلي من غزو السوق بالبضاعة الخارجية الرخيصة، انتشار البطالة في بعض الدول بسبب تغيير مواقع الإنتاج، الإجحاف بحقوق العمالة الرخيصة في بعض البلدان، الارتياب من سياسات المنظمات الدولية مثل: البنك الدولي، التشكيك في غايات الشركات متعددة الجنسيات والعابرة للقارات، أزمة تغير المناخ بسبب تزايد المصانع.. كلها قضايا لم تحسم بعد، واعتبرت تحولا كونيّاً له سمات متناقضة، ووجوه إيجابية وسلبية ككل تغير كوني.


ومع المد العالي لصعود وسائل الاتصال التقني، وتطور التجارة الإلكترونية، وتقبل الكثيرين لثقافات غير أوروبية وأمريكية مثل الثقافات الآسيوية واللاتينية، وتزايد موجات الهجرة إلى أوروبا وأمريكا، ما وفَّر كمّاً كبيراً من العمالة الرخيصة داخل هذه الدول؛ بدأت بعض أعمدة أركان العولمة تهتز، أما تأثيرات تفشي وباء كوفيدـ19 على مدار الكرة الأرضية فقد أدى إلى تقطع التواصل العالمي وتعرقل كبير في حركة التبادل التجاري بين الدول، وشبه توقف لحركات التنقل البشري بين الدول والبلدان، وهي الحال التي جعلت الكرة الأرضية مفككة غير متواصلة، وإن كانت قد بلغت أقصى مدى لتقلصها لأصغر من قرية.


أحياناً، قد تبدو هذه الدراسات والتنبؤات مبالغاً فيها، فالعولمة رسخت أقدامها برغم كثير من الحروب التي شنت ضدها، خصوصاً في دولنا النامية، وأدوات العولمة لا تزال قوية وفاعلة، والثقافة الكونية التي أنتجتها العولمة قد تشّربها أغلب الشعوب.. فما هو البديل عن العولمة إن انتهت؟.. هل هو الاكتفاء الاقتصادي الذاتي أم الاستقرار الديموغرافي وعودة ازدهار الثقافات المحلية؟

إنها كلها تصورات لم تعد منطقيّة في عالم متحرك لا يعرف السكينة!