الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الهوية الدينية.. والسياسة

أدت سامية حسن صلوحي اليمين الدستورية رئيساً لتنزانيا خلفاً للرئيس الراحل جون ماغوفولي، وكانت سامية نائباً للرئيس، وينص الدستور على أن يتولى النائب الرئاسة في حالة اختفاء الرئيس بالوفاة أو العجز الشديد عن ممارسة مهامه.

الذي حدث أنه تم تطبيق الدستور سريعاً، وتجنبت تنزانيا الفراغ عند قمة السلطة ورأس الدولة، وفور تولي الرئيسة سامية موقعها، انطلقت كثير من المواقع الإخبارية العربية لتزف لنا البشرى، بأن سامية مسلمة، وهكذا أصرت تلك المواقع على الهوية الدينية للرئيسة، ليس هذا فقط، بل حاولت منحها صيغة أيديولوجية أو جعلها في خانة أقرب إلى ما نطلق عليه الإسلام السياسي أو التأسلم بالإصرار على الإلحاح وتكرار القول إن سامية محجبة، مع تجاهل تام للتجربة الوطنية والسياسية التي أفرزت الرئيسة الجديدة وتفاعلها هي مع تلك التجربة.

المعلومات الملونة والناقصة باتت سمة كثير من المواقع الإخبارية في العالم كله، وفي منطقتنا العربية تحديداً، نعم سامية حسن سيدة مسلمة وترتدي الطرحة كما هو واضح في صورها، لكنها تولت وفق دستور بلادها، الذي لم يحرمها من المنصب، رغم أن 61% من السكان طبقاً لعدة تقديرات، هم من المسيحيين، ويتراوح عدد المسلمين بين 30% في أقل تقدير ويصل إلى 40% في أقصى تقدير، لكن جرى إغفال تام لتلك المعلومة.


لم يجد هؤلاء المسيحيون، وهم أغلبية، غضاضة في أن تكون نائب رئيس الجمهورية ثم الرئيس، سيدة، وهي مسلمة، باختصار تم التعامل معها كمواطنة وفق قواعد الدستور والقانون، أي إن الهوية الدينية أمر شخصي لا يكافأ ولا يجامل المرء عليه، وبالقدر ذاته لا يضطهد ولا يعاقب بسببه، فأقسى أنواع العقاب أن يحرم من شغل موقع أو منصب بعينه بسبب الدين، هذا هو المعنى المهم في صعود الرئيس سامية.


الغريب أن أولئك الذين هللوا لتولي الرئيسة يرفضون بشدة أن تتولى المرأة المواقع الكبرى في بلادنا وينظرون شذراً لتولي أي مواطن ينتمي للأقلية الدينية موقعاً مُهِماً، تأمل المنطقة العربية بكاملها، حين قامت داعش بقتل المسيحيين والأيزيديين في الموصل، راح هؤلاء يُهوِّنُون من الإرهاب والإرهابيين، ولما طالبت الدولة المصرية بضرورة اتِّخاذ موقف موحد من الإرهاب، اعتبروا ذلك مزايدة وقفزاً في الفراغ.

تولي سيدة مسلمة الرئاسة في بلد أكثر من نصف سكانه من المسيحيين، يؤكد مجدداً ما نلح عليه من أن الدولة يجب أن تكون مدنية ـ وطنية ـ دستورية.