الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

سامية صلوحي وتنزانيا

إن صعود سامية حسن صلوحي إلى رئاسة دولة تنزانيا كأول امرأة أفريقية مسلمة، يطرح أمامنا جملة من الأسئلة حول المستقبل القريب للحداثة في أفريقيا، القارة التي تحتضن منذ القديم إلى اليوم صنوفاً حضارية قبلية متمايزة ومختلفة، قاسمها المشترك البحث عن الاستقرار والحرية.

يمكن أن نقرأ قبول التنزانيين بحكم امرأة في سياق أنثروبولوجي يذكرنا بأعراف وتقاليد المجتمع التنزاني، حيث يتميز هذا النظام بكونه امتداداً لحكم المُسنين «الجيرونتقراطية» الأفريقية القديمة، التي تعتبر في منظور الأنثروبولوجيا أول نظام لممارسة الحكم والسلطة في التاريخ السياسي، وهو النظام المعروف برابطة الدم وحكم الشيوخ ذوي الخبرة.

اعتبر إفانز برتشارد في دراسته للمجتمع الأفريقي أن هذا النظام متطور جداً، لأنه يمثل المركز السياسي للسلطة من خلال بنية توافقية بين النسب والقوة السياسية، ولا يستثني قبوله بحكم المرأة كلما كان ذلك منسجماً مع القوانين الكبرى المنظمة للاستقرار العام، وحتى نُبيّن هذه الخاصية «الجندرية في النظام السياسي الأفريقي»، بعد استلام صلوحي الحكم، لا بد من التذكير ببعض الفترات التاريخية لحكم المرأة في أفريقيا، لإثبات الانفتاح الجندري في الثقافة السياسية الأفريقية.


ففي 1566 ظهرت الملكة أمينة المنتمية إلى إحدى قبائل الهوسة بجنوب أفريقيا لتقود مدة 30 سنة إمبراطورية عظمى في غرب أفريقيا، كما حكمت نرنجا مباندي بلاد أنغولا، وكانت دبلوماسية قوية وشجاعة، حاربت البرتغال إلى حين وفاتها 1663، وحكمت الملكة تيتو البتول إثيوبيا بكثير من الحنكة والتفوق، إذ سطع نجمها في معركة العدوة ضد إيطاليا سنة 1896، أما الملكة هانغبي التي حكمت بنين في القرن الـ17 فقد انتصرت بقوة للنساء، خاصة اللواتي كُن من صنف المقاتلات المتصدرات للصفوف الأمامية للجيش، إلى حين إسقاطها من طرف أخيها الأكبر.


في سياق هذا الإرث السياسي لنظام الحكم في أفريقيا المتعايش مع الثقافة الجندرية، لم يكن من المستغرب أن تكون إلين جونسون حاكمة لليبيريا سنة 2006، ولا أن تكون سامية صلوحي اليوم رئيسة تنزانيا، بالرغم من أنها ستترأس فقط المدة المتبقية من ولاية الراحل ماغوفولي المقدرة بأربع سنوات.

لا يُراد من رمزية هذه النيابة الحفاظ على استمرارية الدولة فقط، ولكن حماية العرف الاجتماعي الذي تواطأت عليه القبائل التنزانية، الذي يعتبر أصل الاستقرار وقوة الدولة، أساس هذا العرف الذي لا ينص عليه الدستور هو التناوب على رئاسة الدولة ما بين المسيحيين والمسلمين، وهذا ما جعل تنزانيا بالرغم من احتوائها لأكثر من 100 قبيلة ولديانتين، الإسلام والمسيحية، تتميز باستقرار شبه كامل مقارنة بنظيراتها في شرق ووسط أفريقيا.
بالتأكيد أن تنزانيا في ظل رئاسة امرأة ستكون منطقة جذب دولي لكل الدول الكبرى الباحثة عن الاستثمار في بلد أفريقي أكثر استقراراً وحداثة وديمقراطية.