الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

تنزانيا.. فوق كل اختلاف

في الـ17 من شهر مارس الجاري، غيّب الموت الرئيس التنزاني جون مافيوغولي بعد فترة قصيرة من إعادة انتخابه لولاية ثانية مدتها خمس سنوات، وعكست إعادة انتخابه المشاعر الصادقة التي يكنّها له غالبية المواطنين بسبب إنجازاته المثيرة للإعجاب خلال فترة ولايته الأولى منذ عام 2015، وخاصة ما يتعلق منها بدفع عجلة التنمية الاقتصادية بتطبيق فكرة تحديث البنى التحتية.

والشيء الذي أدى إلى تعميق مشاعر الحزن الشعبي على الرئيس الراحل هو التنفيذ السريع للخطة الطموحة التي رسمها قبل وفاته، والعمل المتواصل لتنفيذ بنودها كافة، وخاصة فيما يتعلق ببناء خطوط السكك الحديدية، وتوفير الطاقة الكهربائية، حيث كان يعمل على تطبيق مبادرة تجعل من تنزانيا دولة مؤثرة في الاقتصاد الإقليمي، بحيث تلعب دور حلقة الوصل بين المناطق الداخلية من القارة الأفريقية والمحيط الهندي.

وتتلاءم هذه الخطة مع الموقع الجغرافي لدولة تنزانيا، ولقد بقيت زنجبار التي سبق لها أن انضمت إلى دولة تنزانيا الجديدة بعد الاستقلال، تلعب دور النقطة الأساسية التي تربط شبه الجزيرة العربية وشبه القارة الهندية بالداخل الأفريقي ومنطقة البحيرات الكبرى وحوض الكونغو، ولا شك أن إعادة إحياء هذا الرابط وتنشيطه هي فكرة سليمة تستحق كل الاهتمام، وخاصة بسبب الموارد المعدنية التي تستأثر بها الكونغو ودول أخرى والتي يجب أن تجد طريقها إلى الساحل.


وتُعتبر تنزانيا ذاتها دولة واسعة الأرجاء، لم تنَل حظها من الثروات الطبيعية، وكانت أمامها فرصة لاستغلال موارد أخرى، فلقد قُيّض لها منذ البداية أن تفوز بقادة مخلصين، من أشهرهم مؤسس الدولة جوليوس نيريري، الذي تمكَّن من وضع أسس فلسفة خاصة به يمكن تلخيصها بالعمل على تحقيق التقدم من خلال نشر التعليم وتشجيع التنمية المحلية، وكان تنفيذ الخطة محفوفاً بالمصاعب والإحباطات ولكن أمكن في النهاية بناء الأسس التي تقوم عليها أمة يمكن للمرء أن يفتخر بها، وبهذا تحققت أمام تنزانيا الفرصة للتخلي عن فكرة الاعتماد على الصادرات من الثروات الطبيعية بعد أن عززت الشعور بالتضامن الوطني وجعلته يرتقي فوق الاختلافات الإثنية والاجتماعية.


وتتمتع تنزانيا أيضاً بالوحدة الثقافية واستخدام لغة موحدة هي «السواحلية» ذات الجذور العربية والتي تذكّرنا بالعلاقات التي كانت قائمة بين شبه الجزيرة العربية وزنجبار، والرئيسة الجديدة التي تسلمت السلطة هي نائبة الرئيس الراحل وتدعى سامية سولوهو حسن ذات الخبرة الواسعة في إدارة شؤون الدولة، ولا شك بأنها ستتبع نهج سلفها الراحل.