الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

صراع القيم والمصالح

منذ أن وُجِدَ الإنسان على ظهر الأرض وهناك قوتان تتجاذبان السيطرة عليه، إحداهما تصعد به لأعلى لعنان السماء، للمجد والسؤدد وحسن السيرة؛ وهي قوة المُثل والمبادئ والقيم، والأخرى تتحالف معها قوة الجاذبية الأرضية؛ ومن ثم تشد الإنسان إلى باطن الأرض، إلى الحضيض الأسفل، إلى الوضاعة والدونية؛ حيث الشهوات والغرائز والمصالح.

ولأن الإنسان يحتوي في داخله على هاتين القوتين: ففيه أولاً الشهوات والغرائز التي تعزز قوة المصالح، وتعلي وزنها، وتدفع الإنسان دفعا للجري وراءها من أجل تحقيقها، وإشباع شهواته المتعددة المتنوعة؛ سواء أكانت شهوات مادية مثل المال، أو شهوات معنوية مثل السلطة والزعامة وحب الظهور.

وفيه ثانياً قوة العقل والروح التي ترنو إلى المثل العليا، والقيم السامية وتتعلق بها وتسعى للوصول إليها، وتبذل حتى الروح من أجلها، وما بين هاتين القوتين يتأرجح الإنسان، ويميل حيث يكون الوزن النسبي لأحدى القوتين بداخله أكبر، وأعمق وأكثر تجذراً؛ بفضل عوامل التربية والتكوين منذ الصغر، فالعلاقة بين القوتين تحسمها القيم التي تم غرسها قبل سن السابعة.


هؤلاء البشر الذين تشكلت نفوسهم، وأصبحوا مفطورين على صورة معينة، وعلى تركيبة معينة من المصالح والقيم قد يعتنقون بعد ذلك أي دين، أو ينتمون لملة أو لطائفة، أو لإيديولوجية سياسية، وقد يحملون هذه الجنسية أو تلك، ولكنهم في كل الأحوال هم ما بين من ينحاز الى القيم والمبادئ السامية ويكون في موقع الفارس، ومنهم من يخلد الى الأرض ويبيع كل شيء من أجل مصالحة وغرائزه وشهواته وفي سبيل تحقيق ذلك يقوم بدور النخاس أو القوَّاد.


قد يكون أحدهم بنفسية النخاس؛ ولكنه ينتمي إلى جماعة دينية، أو يكون سياسيا مرموقاً، أو عالما أو فقيها ...الخ، وفي كل تلك المواقع يتصرف بنفسية النخاس، أو القوَّاد، ويوظف الدين والمذهب والفقه والإيديولوجيا والسياسة لما يتوافق مع نفسيته، ويبرر ذلك ويضفي عليه شرعية ومصداقية يستمدها من الذخيرة الفكرية التي يوفرها الدين والسياسة.

ومن ينظر في المشهد السياسي في منطقتنا والتحولات الكبرى التي حدثت ومازالت تحدث؛ يخلص الى أنه الصراع الحقيقي هو بين القيم والمبادئ من ناحية، والمصالح من ناحية أخري، وأن العالم العربي تم خداعة خلال السنوات العشر الماضية ببضاعة من القيم البراقة والمبادئ والمثل العليا، وتصدر المشهد دول وأشخاص وظفوا هذه القيم والمبادئ بمهارة لتحقيق مصالحهم، وحين جاءت اللحظة الحاسمة تخلوا عن قناع القيم، وأظهروا الوجه الحقيقي، وجه المصلحة فقط.