الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

وجدة المغربية: دلالات الخلية الإرهابية

من المفيد أن نقرأ تفكيك الخلية الإرهابية ذات الصّلة بما يسمى الدّولة الإسلامية بمدينة وجدة الواقعة شرق المغرب، في سياق أفريقي خاص محكوم بظرفية سياسية دقيقة ورهانات دولية أصبحت لا تبحث إلاّ عن التموقع داخل هذه القارة.

لقد أثبت التّنسيق بين الإدارة العامة للأمن المغربي وأجهزة الاستخبارات الأمريكية أهمية دولية كبرى في محاصرة التطرف العنيف، وهذا ما تأكّد سابقاً بتزويد المصالح الأمنية المغربية أمريكا بمعطيات خطيرة مكّنتها من تحاشي مذبحة فظيعة لمواطنين أمريكيين بنيويورك، كما ساعدت في إحباط خطط تفجيرية في فرنسا وبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا، وبوركينافاسو، وسيريلانكا.

قبل تفكيك خليّة وجدة بقليل، حذّر مدير المكتب المركزي في حوار أجرته معه «رويترز» من تصاعد خطورة التطرف العنيف، نظراً لوجود «داعش» في الصّحراء الكبرى واعتماد أعضائه على استراتيجية متدرّجة في التكوين عبر الإنترنت، خاصة لمّا استتبّ لهم الأمر في منطقة السّاحل وسهُل عليهم اختراق الحدود واستقطاب شبكات التهريب وتوظيفها.


وتكشف المعطيات أنّ هناك ارتفاعاً للخطر الإرهابي في المغرب منذ سقوط «داعش» في سوريا والعراق، خاصة أن مواليه من المغاربة الذين حاربوا في صفوفه، منهم من عاد إلى المغرب، ومنهم من شكلّ مع غيرهم من جنسيات أخرى خلفية للتمركز و«تجديد الانطلاق» عبر محطّة النيجر ومالي، فضلاً عن استغلالهم للفوضى في ليبيا لإعادة تنظيم صفوفهم وتوسيع قاعدة الاستقطاب.


اعتقد قياديو داعش أن إحداث خلايا إرهابية بمدينة وجدة سيسهّل عليهم مهمّة إنجاح توطين تنظيمهم في المغرب وفي مناطق جديدة من أفريقيا، إضافة إلى السّاحل، نظراً للموقع الجغرافي لهذه المدينة باعتبارها أولاً مدينة حدودية، وثانياً بوصفها مسلكاً مهمّشاً يربطها بصحراء الجزائر ومنها بالصحراء الكبرى، بالرغم من طول مسافته، لأن اختيار هذا المسلك الصّعب، الذي يبدو مستحيلاً، تعتبره داعش من بين الإمكانات القليلة جداً المتبقية لها، خاصة أنّ كلّ محاولاتها في الحضور داخل المغرب باءت بالفشل.

كما وقعت هذه القيادة في خطأ الاعتقاد بأنّه قد يسهل عليها التخفّي في الإسلام السياسي الذي يمثّله بقوّة تنظيم العدل والإحسان بالمدينة للتمويه على إعادة تنظيمها.

يضاف إلى ذلك، اعتقادها بسهولة توسيع استقطاب الشّباب، نظراً لكون هذه المدينة قد أنهكتها الهشاشة وأصبحت تسجّل معدّلات مرتفعة من البطالة والفقر، وبروز ظواهر غريبة من الانحرافات التي لا تمثّل الطبيعة التاريخية والثّقافية للمدينة، خاصة بعد جائحة كورونا.

وبالرغم من بطلان هذه الحسابات الخاطئة من طرف القيادة الداعشية، فإن الخطر يبقى قائماً وقابلاً للتجدّد ما لم تعقد شراكات دولية حقيقية، تترفّع عن المصلحة الذاتية الضيّقة، وما لم يتحول الهاجس الإرهابي إلى وعي اجتماعي دولي مضاد ينطلق من مسؤولية الفرد أوّلاً وأخيراً.