الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الإعلام.. العبثية والوعي المفاهيمي

يأخذنا الحديث عن الاتصال الجماهيري إلى سياق العبثية، والذي يأتي بنكهات مختلفة، إحداها أخلاقية، وهي فلسفة تفترض أنه ليس هناك ما هو صواب أو خطأ من وجهة نظر أخلاقية وفقاً لكل نهج في وسائل الإعلام، ومن المنظور الموضوعي لكل استراتيجية إعلامية هناك عبثية معرفية مفاهيمية تشكك في كل ما نعرفه عن الرسالة الإعلامية، ومن ناحية أخرى هناك وعي مفاهيمي يعارض كل ذلك.

الخوض في أعماق الوسائط الإعلامية المتعددة، نجد أن الإعلام الثقافي والإبداعي يشكلان معاً منفذاً للمثقفين والكُتاب والأدباء والمفكرين والناس على جميع المستويات الثقافية، لقراءة المشاعر الشعبية والوجدان بشكل جماعي، ومن خلال ذاكرة إبداعية مهمة وغنية بالآداب والفنون، وعبر وسائل الإعلام الثقافية.

فمن يتأمل العالم الآن من خلال هذه الوسائط يدرك خطورة الموقف فيه، وسيحتاج إلى وقت للتفكير والتأمل حتى يتمكن من فهم ما يشهده، فنحن بحاجة إلى دراسة المفاهيم، لأننا بحاجة إلى الوعي، فالوعي هو المعرفة الحقيقية المبنية حول الحقائق والدراسات الموضوعية للواقع، ثم العزم على إحداث التغيير، وهنا تظهر الأخلاق الحقيقية للإنسان، وتحديداً من منظور الإعلام الثقافي الإبداعي.


حيث تعتمد وسائل الإعلام في تأثيرها على دراسة العقل البشري، الذي يميل عموماً إلى ما يسمى بالراحة المعرفية أو التفكير السريع، حيث إن الإنسان يميل إلى اتخاذ قرارات سريعة، مبنية على الانطباعات والعواطف، ذلك لأن التفكير العميق يتطلب دراسة متعمقة للقضية التي سيتم اتخاذ قرار بشأنها.


في هذا السياق تؤكد الدراسات أن الإعلام هو المُشكّل الأول للقيم المجتمعية من خلال التأثير التراكمي، بحيث لا يتأثر المتلقي بشكل مباشر، بل على مدى فترة طويلة، حتى تتغير قناعاته تدريجياً، مع تكرار الأمور المستهجنة منه في أوقات ومناسبات عبر هذه الوسائل، فيبدأ في التعود عليها، وهذا يندرج ضمن مبدأ صناعة نجوم للمجتمع من المُبتذلين.

إن وسائل الإعلام التي تخلق رمزية هؤلاء وتكرس شهرتهم تجعلهم وسيلة للترويج لما يريدونه، بحيث يكون لتبنيهم القيم المارقة والسلوك غير اللائق أثراً كبيراً على الجمهور، خاصة عندما يرون أنهم نماذج قدوة، ودرجات تقديرهم تتقدم على الكثير من المفكرين والمبدعين، وهكذا يسود التسطيح الفكري للشباب.

وبذلك فإن اهتماماتهم تنحصر في القضايا الفارغة التي لا تزيد المعرفة، ولا تكتسب المهارة، بل تكرس الانزلاق والعبثية، عبر هذه الوسائط.

يبقى السؤال، بما أن الوعي بالمفاهيم هو نقطة دخول أساسيّة لتضييق دائرة التخلف، وتوسيع دائرة الإدراك.. فكيف يمكن للإعلام الثقافي أن يلعب دوراً في تغيير تلك التصورات مع تكالب ما في العالم من الأزمات؟