السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

سُلطة الشَّبكات

رُوي أنه اقترح على «جوزيف ستالين» تعميم الهاتف في كل أنحاء الاتحاد السوفييتي، وبعد مهلة من التفكير عاد إليهم، وقال: «إن ذلك يشكل ثورة مضادة».

وبعد سنوات من ذلك قال النقاد التكنولوجيون: «إنه إذا استطاع 10% من السكان التواصل فيما بينهم بيسر وسهولة، أصبح من الصعب على الدكتاتوري أن يتحكم في البلد».

لقد صدق ستالين، وصدق الخبراء أيضاً، ذلك أننا نعيش اليوم عصراً تم فيه تعميم الهاتف على نسبة عالية من المواطنين في كل الدول تقريباً، حيث مكّن الهاتف النقال السكان من البقاء متصلين، وتم بذلك تجاوز العقبات الاتصالية في عصر الهاتف الثابت.

وجاءت الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي لتعزز سلطة تواصل المواطنين وفي كل مكان، وتدريجياً تحولت تلك الشبكات إلى «جماعات ضغط» بنشرها لأي معلومة مهما كانت درجة خطورتها، تلك المعلومات كانت في أوقات سابقة حكراً على الحكومات.

الآن لم تعد للحكومة سلطة على احتكار المعلومة وتوجيهها أو منع نشرها، فما عليها إذن سوى الاستعداد لما قاله ستالين منذ عقود.

كذلك وقف الإعلام الرسمي عاجزاً ليس فقط عن مواجهة المعلومة التي ينشرها الإعلام الخاص، بل وقف مفلساً في مواجهة انفلات المعلومة على شبكات التواصل الاجتماعي.

ولم يبقَ نجوم التلفزيون هم وحدهم من يثيرون إعجاب الرأي العام، بل إن مكانتهم تراجعت لصالح نجوم اليوتيوب بصفة خاصة وشبكات التواصل الاجتماعي بصفة عامة.

ويمكن سرد عشرات وحتى مئات أو آلاف الأمثلة للتدليل على ما سبق من مختلف بلدان العالم، فمثلاً في الجزائر أرغم الفيسبوك واليوتيوب الحكومة على تقديم توضيحات للرأي العام بخصوص العديد من القضايا، التي نشرت خاصة تلك التي اتهمت فيها الشرطة باغتصاب قاصر في مقر الشرطة بالجزائر العاصمة، وهي القضية التي تم التفاعل معها على نطاق عالمي، حتى إن منظمات دولية حقوقية طلبت من الحكومة إجراء تحقيق محايد، فأصدرت الشرطة بياناً ونظم النائب العام ندوة صحفية لشرح ملابسات القضية للرأي العام، ولو كنا في التسعينيات مثلاً ما كان ذلك ليحدث، حتى قضايا الفساد، أصبح فضحها سهلاً على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يجري باستمرار نشر الوثائق والتسريبيات الصوتية لشخصيات مسؤولة.

وبالنتيجة يمكن القول: إن الحكم في عصر الشبكات أصبح صعباً للغاية، ويتطلب «الرشد» أكثر من «الحلول الأمنية».