الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

مرض ضعف المناعة السياسية

بعد عشر سنوات من «الخريف العربي المشؤوم» وصلنا الى حالة خطيرة من ضعف المناعة السياسية، أو ما يمكن أن يطلق عليها تجاوزاً مرض الإيدز السياسي.. حالة لا تخطئها عين المتابع للتطورات التي تشهدها العديد من الدول العربية؛ التي كان معظمها بالأمس القريب من كبار اللاعبين المؤثرين في الإقليم والعالم.

حالة ضعف المناعة هذه يمكن تحديد ملامحها من خلال الفشل في مواجهة تحديات كان يتم التعامل معها بصورة فعالة وناجزة في الماضي القريب، وبتعبير استراتيجي أكثر دقة هي حالة من انهيار الدفاعات الذاتية للعديد من الدول، والمجتمعات العربية في مواجهة الأعداء الإقليميين أو الخصوم الأقربين أو المتآمرين من الأحزاب والجماعات الكامنة في المجتمعات.

ثلاث ظواهر كبرى تبين إلى أي مدى ضعفت المناعة السياسية للعديد من الدول العربية؛ أولها: توحش دول الجوار وانفلات عقال أحلامها التاريخية المتوهمة، وسعيها لتحقيق أمجاد إمبراطورية لم تتحقق في التاريخ، أو تحققت في الماضي البعيد على حساب الدول والمجتمعات العربية.. دول الجوار هذه كانت موجودة منذ الأزل؛ ولكن لماذا امتدت أيديها بقسوة وشراسة للعبث والإضرار بمصالح الدول العربية المجاورة لها في هذه اللحظة التاريخية بالذات؟


الإجابة، بالتأكيد، هي: أن الجسد العربي ضعف، وتراجعت قوى المقاومة فيه لعوامل عديدة معظمها أسباب داخلية، نتجت عن التغييرات التي حدثت بعد الخريف العربي في معظم الدول، وبعد احتلال العراق عام 2003.


وثانيها: ضعف اللحمة الاجتماعية والسياسية في العديد من الدول العربية، وتآكل وسائل التماسك الاجتماعي والسياسي، ما جعل الخلافات السياسية تتفجر ولا تجد طريقاً للحل، وتطول وتستمر ويفشل أطرافها في الخروج منها، أو التماس وسائل للتقارب والتصالح والوصول إلى حلول وسط، وهنا يثور السؤال الآتي: لماذا يحدث ذلك الآن؟

الإجابة أن هذه الدول فقدت معايير الرابطة الوطنية لحساب روابط دينية ومذهبية وطائفية وعرقية، حولت المجتمع إلى كيانات تنجذب للخارب أكثر من الداخل، وتنمي لدول خارج الإقليم، أو لجماعات وأحزاب داخله.

وثالثها: تكاثر الجراثيم السياسية، ممثلة في كيانات سياسية قزمية في صورة شبه دولة، أو أحزاب وجماعات تنتمي لعالم ما قبل الدولة، كلاهما: الدولة القزميَّة، والأحزاب الدينية والطائفية المذهبية، تحولت إلى جراثيم فتاكة تنشر الأوبئة، وتتكاثر في الأزمات والمشاكل، وتعمل على تضخيمها والاستثمار فيها، وقد ساعدت وسائل العصر من وسائل التواصل الاجتماعي، وعقليّة ما بعد الحقيقة التي تحول الشائعة إلى حقيقة في تضخيم هذه الظاهرة.