السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الدبلوماسية الثقافية.. وتنمية العلاقات الإماراتية – العراقية

بمناسبة الذكرى السنوية لتدمير «الجامع النوري» بمدينة الموصل العراقية، على يد عناصر تنظيم «داعش»، نشرت وزيرة الثقافة والشباب نورة بنت محمد الكعبي، مقالاً في موقع «ناس نيوز» العراقي، يونيو 2020، أشارت فيه إلى أن «مشاركة الإمارات في إعادة إعمار مواقع الموصل، واجب إنساني وحضاري، فرضته قيم الإمارات، وعلاقتها المتجذرة مع أشقائها العراقيين»، مؤكدة «نحن ملتزمون بالعمل مع شركائنا على إكمال المشروع وفق أعلى معايير ترميم المواقع الأثرية، حتى تعلو منارة الحدباء مرة أخرى تزين سماء مدينة الموصل».

الكعبي ذاتها، كانت حاضرة أثناء القمة الإماراتية– العراقية في أبوظبي، الأحد 4 أبريل الجاري، عندما اجتمع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بضيفه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، حيث عبر الكاظمي عن «شكره لدولة الإمارات لدورها في إعادة إعمار المناطق الأثرية في مدينة الموصل».

استحضار الكاظمي لـ«مبادرة إحياء روح الموصل»، التي هي نتيجة شراكة بين «اليونسكو» والحكومتين الإماراتية والعراقية و«إيكروم»، هذا الاستحضار يدل على أهمية «الدبلوماسية الثقافية» وأثرها الإيجابي والفعال في بناء علاقات رسمية وشعبية وحضارية بين الدول.

قد يعتبر البعض أن نتائج هذا النوع من الدبلوماسية بطيئة، أو ليست ذات مردود سياسي مباشر؛ إنما ما يُغفل عنه أن «الدبلوماسية» بحد ذاتها كعمل، تقوم على الصبر، التبصر، عدم الاستعجال، وبناء الثقة والجسور بأسلوب يضمن الاستمرارية، ويجعل هنالك مشتركات واسعة بين الدول والشعوب، تكون على أساسها العلاقات أكثر صلابة وديمومة، وأقل تضرراً من المتغيرات السلبية التي تحدث في الإقليم.

الثقافة والمعمار والفنون، لديها القدرة على تجاوز الخلافات السياسية، وإشاعة وعي مدني بين الشعوب، والتخفف من التوترات التي تسببها التباينات المذهبية والعرقية، كونها تسعى لأن تركز على المشتركات، في الوقت الذي تحترم فيه التباينات ولا تقفز عليها، بل تجعل من هذا التمايز الثقافي نقاط قوة تعزز التنوع والتعددية، وهو بدوره ما يصنع وعياً أكبر بأهمية التعايش السلمي بين الأديان والمكونات المختلفة، كما هو تنوع الموصل بين مسلميها ومسيحييها وأعراقها، والذي سعت «داعش» للقضاء عليه وإحلال ثقافة راديكالية استئصالية، شوهت المدينة ودمرتها، ما جعل التعاون الدولي أمراً ضرورياً لكي تستعيد المدينة عافيتها، ويرجع سكانها المهجرون، وتتم عملية البناء وإحلال الأمن الذي فقد لسنوات!

الإمارات والعراق، بإمكانهما بعد القمة الأخيرة تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين، فهنالك وزيرا ثقافة مدركان لأهمية المعرفة ودورها في التنوير وإحلال السلام وتحديث وتنمية المجتمع والدولة.. عراقياً د. حسن ناظم، وإماراتياً نورة بنت محمد الكعبي، وكلاهما على تواصل مع الثقافتين العربية والعالمية، ومواكبان للتغيرات المعرفية المتسارعة، وأثر ذلك على التحول في النظرة الكلاسيكية لـ«الثقافة»، فضلاً عن علاقتهما الواسعة والجيدة مع النخب الثقافية والمؤسسات المعنية بالفنون والمسرح والنشر والإنتاج والأدب، كما الجامعات والمعاهد العلمية أيضاً.. وهنالك نوع من «الهوى العراقي – الخليجي» في الذائقة العامة لدى الشعبين الإماراتي والعراقي، خصوصاً مع وجود عدد كبير من العراقيين المقيمين في الإمارات، والذين أشار الشيخ محمد بن زايد لأثرهم الإيجابي ومشاركتهم المبكرة في بناء وتنمية الدولة.

عناصر القوة هذه، إذا تم توظيفها في مشاريع مشتركة بين وزارتي الثقافة في البلدين، ومؤسسات المجتمع المدني، ستسهم في ترسيخ العلاقات بين الدولتين، والدفع بها نحو مزيد من التطور وتبادل الخبرات والتنسيق، ما سيعكس استقراراً وتنميةً وأمناً في الخليج ككل، وتطوراً في الخطاب المعرفي بين شعوبه.