الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

سوريا.. والحلحلة الروسية

وصل الصراع في سوريا إلى مرحلة الحرب من أجل رغيف الخبز، ولا تزال القضية السورية على طاولة الحلول السياسية نظرياً، وطاولة العسكر فعلياً، ولكنّ المعادلة اليوم باتت تفرض المنطق السياسي على واقعٍ لم تترك الحرب فيه إلا أنقاضَ بلدٍ لم يعد يحتمل المزيد من الاقتتال.

10 سنواتٍ كافيةً لإنهاك الجميع، عدا عن تحقيق أغلبِ اللاعبين الدوليين لمعظمِ أهدافهم، لذلكَ نجدُ تطوراً لافتاً يكمن في جديّةِ المساعي الروسية -الحليف الأبرز للحكومة السورية– لتفعيل المسار السياسي الذي لطالما ماطلت به، فقد نقلت مصادر خاصة لقناة العربية– الحدث، أنباء عن اجتماعات روسية مع حكومة دمشق بشأن تفعيل اللجنة الدستورية العالقة منذ أعوام على طاولة مباحثات عبثية، فما الذي جدّ للتحرك بهذه الصورة من قبل موسكو؟

تكمن الإجابة عن هذا السؤال في عدة جوانب هامة باتت تفرض رؤية الحل السياسي، منها:

أولاً، المساعي العربية: فقد تركزت الجهود العربية المتمثلة بسعي كلٍّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لفرض الحل السياسي الذي شدّدت عليه منذ اليوم الأول لاندلاع الأحداث في دمشق، ولا سيما في حوارها ونشاطها الدبلوماسي المكثف مع روسيا، والمتمركز بصلابة على مبدأ أنّ العسكرة ليست حلّاً، مستخدمةً كل ثقلها السياسي والدبلوماسي والاقتصادي في جميع المحافل الدولية من أجل ذلك.

ثانياً، الواقع الاقتصادي: فطول أمد الحربِ أنهك القوى المتصارعة حتى باتت ثقلاً اقتصاديّاً تنوءُ بحمله، وروسيا خلاله زجّت بكل ما تستطيع من قواها العسكرية والاقتصادية، ولم تعد مستعدةً اليوم لتحمّل المزيد، لا سيما أنّ المساعدات العربية والعالمية في إعادة الإعمار وفتح أبواب الاستثمار في سوريا مشروطةٌ بالحلّ السياسي.

ثالثاً، التوافق الضمني على الوضع الراهن: فمن الملاحَظ أنّ جميع الأطراف الدوليّة اللاَّعبة على الأرض باتت مقتنعةً بما وصلت إليه من أهداف عسكرية، كروسيا والولايات المتحدة، عدا الاتفاق الصريح بين الجميع على ضرورة إنهاء الوجود الإيراني، مما عزّز طفوّ الحلّ السياسي على السطح.

ولا شكّ بأنّ الحل السياسي كانَ، ولا يزال، الخيار الأنسب والأقل تكلفةً، ولكن لا بدّ للسوريين أنفسهم من الانخراطِ في هذا الحلّ وتكتلهم لصالح سوريا، حتى لا تخرج أية تسويةٍ على هيئةِ أجنداتٍ خارجية لا همّ لها سوى مصالحها الذاتية، وتبدو هذه الفرصة الأخيرة ليثبت السوريون حكومةً ومعارضةً أنّ سوريا فوق الجميع.