الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

رمضان.. وزيارة المساجين

الحروب التي حدثت في شهر رمضان عبر التاريخ كانت أحداثاً سياسية كبيرة ترتبت عليها تطورات مختلفة والشواهد بارزة، منها غزوة بدر وتلاها فتح مكّة وفتح الأندلس ومعركة بلاط الشهداء وفتح عمورية ومعركة عين جالوت وفتح أنطاكيا وحرب العرب وإسرائيل في 6 أكتوبر 1973 وسوى ذلك كثير.

مثلما كان شهر رمضان في الغالب، اختياراً زمنياً وروحياً للعرب والمسلمين في تحديد ساعة الصفر في معاركهم التاريخية، فإنَّ هذا الشهر الفضيل يبقى مكتنزاً القيمة الروحية العالية التي تصفّي النفوس وتمد في مدياتها الإنسانية إلى أعماق في الزمان والمكان والأحوال بما يقرب الصور البعيدة، ويوضح ما التبس منها وما غمض.

ولعلّ جوهر السياسة وَمُحَرِّك أدائها الإجرائي الفاعل هو تقريب الصورة والخوض في تفاصيلها بما يجعلها واضحة بتكوينها ومعانيها، وسوى ذلك لا تكون السياسة ذات دلالة متصلة بالحياة والمجتمع، إذ لا بد من أن تتوافر على روحية التدقيق والتشخيص واتخاذ القرارات بعد تأمل وروية، وحينها تتضح الصورة.


شهر رمضان يمنح الإنسان طاقة روحية عالية في قدرة التأمل، ثمَّ استشراف كلّ الخيارات الذاتية له والموضوعية المتصلة بالآخر، وهذه الخاصية يحتاج إليها السياسيون العرب في النظر إلى ما آلت إليه أوضاع بلدانهم.


لا تزال هناك خصومات عربية لم يتم تجاوزها، ولا تزال هناك مصالحات عربية لم تخرج من حلقة الإنجاز الأول لتكمل الحلقات الأخرى المطلوبة بما يقوي صلات البلدان، ويصرفها عن مشاغل القلق للانطلاق نحو آفاق العمل في إطار استراتيجي لا يتخَوّف من نكسات مفاجئة تقوّض ما جرى بناؤه.

لا يمكن لأي إنسان، مهما كانت درجة تعلّقه بالإيمان أن يتجاوز الاكتناز الروحي المبهج لشهر رمضان، حتى المواطنين غير المسلمين الذين يعيشون في البلدان العربية ينتمون إلى روحية هذا الشهر ويستظلون بظلاله الوارفة، لا سيما حين تكون المجتمعات تعيش روح التسامح والعدالة في المواطنة والاستقرار في الوجود.

أسمع سياسيين يتحدثون عن طقوس يمارسونها في الصيام، منها قراءة كتب معينة أو زيارات لأماكن ترتبط بمعاني التراث، وكم يكون مبهجاً مع مبادرات بعض الزعماء في العفو عن المسجونين إكراماً لحرمة الشهر، أن يقوم زعماء آخرون بزيارة زنزانات سجون صيدنايا أو أبوغريب أو الناصرية أو سراديب فروع الأمن والمخابرات، لا سيما سجون النساء، في دول لم تعتد على مبادرات الإفراج.