الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

داعش.. وطريق التآكل

أعلنت قوات الأمن في موزمبيق أن مدينة بالما تم تطهيرها من المسلحين، وقبل ذلك الإعلان بعدة أيام كان تنظيم داعش أعلن أن جنود الخلافة أمكن لهم السيطرة على المدينة، التي تبتعد حوالي 10 كيلومترات عن أكبر حقل للغاز الطبيعي تم اكتشافه في موزمبيق، ومن المقرر أن يبدأ ضخ الغاز في 2024، أي إن الهدف كان الوصول إلى ذلك الحقل والسيطرة عليه.

قبل بالما نجح التنظيم الأشد عنفاً وإرهاباً في السيطرة عام 2014 على مدينة الموصل في العراق وبعدها تدمر في سوريا، وقد استمرت سيطرته على كلا المدينتين عدة سنوات، وليس لأيام كما جرى في بالما.

وبعد فشل داعش في العراق وسوريا اتجه التنظيم إلى أفريقيا، حيث نجح في تكوين خلايا له في عدد من دول القارة ومن بينها موزمبيق، التي بدأ عملياته الإرهابية بها منذ 2017.


داعش على غير معظم التنظيمات الإرهابية، لا يسعى للسيطرة على العاصمة في أي دولة، ولا يهمه إسقاط نظام الحكم في المقام الأول، بل يسعى إلى اقتناص مدينة أقل أهمية سياسياً من العاصمة، لكن لها أهمية تاريخية وأثرية مثل تدمر، أو أهمية اجتماعية ودينية مثل الموصل، أو اقتصادية واستراتيجية مثل بالما، ومن خلال هذه المدن يقدم نموذج الرعب أو ما يطلقون عليه إدارة التوحش، الذي يرغب في نقله وتقديمه للعالم، معلناً بذلك عن نفسه بما يصيب الجميع بالتوتر والفزع، إنه يذكرنا بأمراء الطوائف زمن ضعف دولة الخلافة العباسية، حين كان يسعى كل منهم إلى استلاب مدينة أو منطقة، يعلن منها عن نفسه، لكن أمراء الطوائف كان هدفهم فقط الحصول على مقعد ولو صغير للسلطة وللحكم.


ويعمل داعش بنظرية الأرض المحروقة، أي قتل وسبي أكبر عدد من المواطنين، اغتصاب الفتيات وانتهاك السيدات كما جري مع الأيزيديات في الموصل، وإحراق المباني والاستيلاء على الثروات، فضلاً عن تدمير الآثار والتراث الإنساني العريق.

تاريخياً، فإن مثل هذه الاستراتيجية لا تضمن للتنظيم البقاء والاستمرار، بل تعجل بتآكله وانقراضه، وإن بقي بعض أفراده يعملون بطريقة الذئاب المنفردة، غير أن الثمن يكون فادحاً، نظراً لكثرة وشدة ما يرتكبونه من جرائم وما يخلفونه من دمار، فضلاً عن الإيذاء الشديد لسمعة الإسلام والمسلمين حول العالم.

كل هذا يفرض على الدول والمجتمعات التي يتسلل إليها الدواعش، الاهتمام أمنياً بكافة المدن وليس فقط العواصم، مع التعامل السريع مع أي خلايا إرهابية تتشكل، حتى لو كانت خلايا نائمة، فضلاً عن المواجهة الفكرية والفقهية التي لا تتوقف.