السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الخلاف.. والاختلاف

اليوم ينتشر الإسلام في العالم كله، فهو ليس بضع آلاف، وإنما أكثر من مليار و500 مليون نسمة. والإسلام اليوم لا يتحدث به العرب فقط، وإنما وصل إلى أكثر من 250 لغة، لذلك كثرت لجان الإفتاء في كل منطقة، ولكن يجب أن تكون هناك مرجعية أعلى تصلها الفتوى لتباحثها، فما يمكن أن يجوز في الخليج قد يصعب تطبيقه على بعض المسلمين الذين يعيشون في شمال الكرة الأرضية، التي لا تشرق عليها الشمس إلا بضع أيام في السنة.

كبار أئمة الإسلام كأحمد بن حنبل والشافعي تغيرت بعض فتاويهم عند انتقالهم من منطقة جغرافية إلى أخرى، لأنهم علموا بشيء في منطقة وجهلوا أشياءً من مناطق أخرى، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها وقف عندها، ولا ننسى بأن هناك ابتكارات جديدة في العالم، مثل الطائرات والسيارات ذاتية القيادة، وقريباً سفن الفضاء، فكيف يصلي رائد الفضاء المسلم؟ وكيف يتوجه إلى مكة؟ وكيف سيعيش المسلم في مستعمرة بشرية في المريخ ويؤدي عباداته هناك؟

الاختلاف في بعض الفتاوى نعمة طالما نتفق على الأساسيات، لذلك كان لنا (في الاختلاف رحمة)، والتي نكررها ولكننا لا نفهم معناها ومغزاها، ومتى نقولها؟ وأين موقعها من كل تصرفاتنا؟

اختلطت علينا المعايير وصرنا لا نفرق بين (الاختلاف والخلاف) وبين الاحترام والولاء، وأصبح من يخالفنا الرأي خصماً وعدواً، ومن يحترمنا ويحترم اختلافنا نعتبره ضعيفاً، وصارت ثقافتنا وممارساتنا (تفرق الجماعة وتصنع الخلاف)، عوض أن تجمع بين المختلفين في الرأي وتثري الحياة.

نشاهد اختلاف الشخصيات الثقافية والرياضية والدينية في الآراء والأفكار والمناهج، وتتنافس فيما بينها من أجل استقطاب المؤيدين، وواقعنا كله خلاف لا اختلاف، وكله إقصاء لا توحد وإجماع، وكله حسد وضغينة ونكران لجهود الآخرين، لا محبة واحترام.

هذا التطرف في الأفكار والمشاعر يولّد تطرفاً أكبر، يصل إلى (إقصاء الآخرين) بحيث تنتشر ثقافة تصفية الحسابات في كافة أمورنا، وتضيع المصالح بين هذا وذاك، فكم من مسؤول ثأر ممن سبقه؟ وكم من مدير مسح الأرض بسلفه؟ وكم من موظف جحد جهود زملائه وبذل المستحيل لأجل محو أثرهم؟ وكم من بشر ذهبوا ضحايا لتصفية الحسابات والإشاعات والوشاية على كل المستويات؟

الإقصاء يوّلد التطرف والمزيد من الفرقة، في وقت يحتاج فيه الناس إلى التوحد الحقيقي لمواجهة التحديات، ولكن عليك بمن يسمع وإذا سمع فهم.