الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

استثمارات هنا... تحكيمٌ هناك

منذ الأمس البعيد وحتى اللحظة، سؤال لا يزال يقرعُ الأذهان: لماذا تنفق دولنا العربية المليارات وترصد الميزانيات، وتتعاقد مع كبريات بيوت الخبرة الدولية لجذب الاستثمارات، وتحرص على تهيئة أفضل مناخ للاستثمار عبر تقديم تسهيلات تتعلّق بإصدار الرخص التجارية، وإعفاءات ضريبية للمستثمرين، وإقرار التشريعات وإطلاق مشاريع القوانين، ناهيك عن المحفزات والمسرعات التي تتيح للأجانب التملّك بنسبة قد تصل إلى100%؟

وما أن تمضي قدماً في الاطلاع على استراتيجيات دول المنطقة، إلا وتجد أهدافاً إستراتيجية طموحة تؤطرها معايير ومؤشرات لتحقيق مستهدفات زيادة الاستثمارات، وبناء اقتصاد مرن ومتنوع عبر رؤية 2030 و2040 و2050، وغيرها من الاستراتيجيات التي تتبناها المنطقة.

على الجانب الآخر، ما أن تتوجّه بمنظارك نحو دعاوى التحكيم التي يرفعها المستثمرون في مقرات التحكيم ذات المراتب الدولية المتقدمة في لندن وباريس وسنغافورة وسويسرا، آنذاك يُدهشك أن هؤلاء المستثمرين أنفسهم هم الذين وقع اختيارهم على أوطاننا لتكون الحاضنة لاستثماراتهم، وتحتار في فهم لماذا هم أنفسهم من يتصدرون الأرقام في عدد ومبالغ منازعات التحكيم المنظورة أمام تلك المؤسسات التحكيمية الدولية؟

وكأن لسان الحال «أوطاننا العربية بيئة خصبة للاستثمار المحلي والأجنبي وتحقيق العوائد والأرباح، ولكنها مقرات غير جاذبة للتحكيم وتسوية ما ينشأ من منازعات تجارية سواءً بين أطراف النزاع من نفس الدولة أو بين مستثمر أجنبي وطرف محلي».

إذاً، أين موطن الخلل الذي يجعل دولنا العربية بيئة أقل تنافسية في استقطاب التحكيمات الدولية بشقيها التجاري والاستثماري، خاصة في العقود ذات التأثير على اقتصادنا الوطني وخططنا التنموية؟، وما حجم خسائرنا الملموسة والخفيّة جرّاء تفويت فرصة تحقيق الدول العربية لمكانة تنافسية على الخارطة الدولية لمقرات التحكيم؟

أسئلة قد تبدو بديهية للوهلة الأولى، إلا أن الإجابة عليها تحتاج شفافية ونظرة واقعية، لأن تعزيز ثقة المستثمرين ليست مسؤولية وزارة بعينها ولا دائرة اقتصاد، ولا وزارة عدلية أو هيئة قضائية أو تحكيمية، أو مركز للتحكيم أو مكتب محاماة، لكنها منظومة متكاملة من التشريعات الاستباقية المحدثة، والدعم الحكومي المستمر والشراكة الفاعلة بين «مؤسسات التحكيم» و«القضاء»، والشركاء المعنيين، ليكون المستثمر على موعد حقيقي مع «الاستقلالية المؤسسية»، و«الموثوقية الإجرائية»، و«السرعة» مقرونة «بالفاعلية» لخدمة العدالة التحكيمية الناجزة وفق أفضل الممارسات العالمية، وهنا يكمن الدواء في جدليّة «نستثمر هنا.. ونحتكم هناك».