الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

السودان.. وخشية الفلتان

إذا كان من غير الممكن لأحد أن ينكر أن فكرة الديمقراطية قد غزت الفكر السياسي السوداني اليوم كما لم يحصل من قبل، وأن العمل على تحقيقها قد أصبح من المعطيات الرئيسية للحياة السياسية، فإن ما لا يمكن إنكاره أيضاً أن هذا التقدم الذي تشهده الفكرة على مستوى الانتشار، بل حتى التطبيق لا يترافق في الواقع بما فيه الكفاية بتعميق مفهومها وإبراز الشروط الثقافية والاقتصادية التي تتحكم في مسيرتها سلباً وإيجاباً.

هناك بين من يتحدثون اليوم في الديمقراطية في السودان من يعتقد أن الموضوع يتعلق بمادة للاستهلاك الشعاراتي، ليس له معنى ولا مضمون حقيقي، وهناك من يعتقد أنها يمكن أن تكون شعاراً مفيداً للتخفيف من احتكار السلطة الراهنة أو المقبلة، ولكن لا يمكنها أن تحظى في الوطن السوداني بالتطبيق الحقيقي نظراً لغياب الوعي الديمقراطي.

هناك من يعتقد أن الديمقراطية يمكن أن تكون في الوقت الراهن وسيلة للتغطية على الأزمة الاقتصادية والتقصير الرسمي في هذا المجال أو ذاك، ومن ثم أن تكون متنفساً للناس في جو الضائقة الراهنة، وليس هناك إلا فئة قليلة من أصحاب الرأي تعتقد بالفعل بالديمقراطية وإمكانية تحقيقها.


ولكن حالة الضياع المادي والمعنوي التي يعيشها الشارع السوداني في ظل ضبابية المشهد، تصل لمفهوم خواء المكان وتحديداته، وفقدان بوصلته من منظور عبقرية الثورة وضياع الفكرة والمحتوى في غفلة من عمر الزمان الذي غاص فيه من غاص، وعاث فيه من عاث فساداً ضمنياً يتطلب جرأة تجلي الصورة للأجيال وإلا فسدت الديمقراطية.


فإذا كانت الثورة من منظور التحليل النفسي هي انتصار عامل الغضب في النفوس على عامل الخوف من قوة وإرهاب السلطان، وكفعل إنساني من المفترض هي عملية هدم الوضع الظالم والفاسد والفاشل، فإن شعار مرحلة ما بعده هو بناء وضع جديد يلبي حاجات وتطلعات الأمة والشعب والحياة الكريمة.

وأما مفهوم الحياة فيقوم على أمر سياسي يتعلق بالتخلص من القهر السياسي والأمني، أي التحرر من الديكتاتورية والقبضة الحديدية، ولكن بمراقبة المشهد السياسي السوداني نجد أن «الديماغوجية» تسرَّبت إليه بمجموعة الأساليب التي اتبعتها النخب السياسية الجديدة لخدمة مصالحهم، فقد انتصر الغضب على الخوف في الشعب، فخرج إلى الشارع غير آبه للموت ليقول: لا، وقام الديماغوجي باللعب على مشاعر الناس بالمحسوبية والفئوية، جلس وتمكن بما فوق الأرض وما تحت الثرى، وأضحى الأمر في غاية الخطورة.