الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الرئاسات الثلاث.. والشلل

تأكَّدْ أنه عندما يكون لدولةٍ ثلاث قيادات، تتداخل وظائفها وتتباين مصالحها وتختلف توجهاتها وأهدافها، فإن تلك الدولة ستكون مشلولةً وعاجزة عن أداء أبسط وظائفها التقليدية من بسط الأمن الداخلي والخارجي، وإقامة العدل بين الناس، فضلاً عن وظائف الدولة المعاصرة المتمثلة في الرفاهية والتنمية.

«الرئاسات الثلاث» أصبحت واقعاً معيشاً في دول عربية مثل: العراق ولبنان وتونس، وأخشى أن تنقل ليبيا والسودان جيناتِه الوراثية من مرحلتيهما الانتقالية إلى مؤسساتهما الدائمة؛ فهذه الآلية من تنظيم الدول وصفة فعالة للشلل والفشل.

تخيَّلْ لو أن سفينة يقودها ثلاثة أو أربعة ملاحين كل واحد يريد وجهة مختلفة، فما مصيرها؟ لا شك أنه سيكون مصيراً غير محمود؛ فهي إما أن تغرق في البحر وإما أن تبقى بدون حركة، وكلا الأمرين كارثة؛ لكن رُكَّاب السفينة يمكنهم أن يتركوها قبل أن تغرق ويتحولوا إلى سفينة أخرى سعياً للنجاة بأرواحهم، ويمكن لمن يعرفون السباحة منهم أن يسبحوا لإنقاذ أنفسهم، لأن ركَّاب السفينة لا يجمع بينهم غير الرحلة والوجهة، وبعد ذلك سيتفرقون أيدي سبا.

أما مواطنو الدولة فهم مرتبطون بها منذ مئات أو آلاف السنين ولا يستطيعون مغادرتها، فمصيرهم ومصيرها واحد، فإمَّا أن ينجوا وتنجو دولتهم وإما أن يهلكوا ويخرب بلدهم.. في لبنان مثلاً نجد هذه الوصفة تعمل عملها، فثمة ثلاثة رؤوس: رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، وانظر إلى الحال التي آل إليها هذا البلد الجميل! وفي العراق لا يختلف الأمر، وفي تونس أيضاً نجد التجاذبات الجارية الآن بين رؤوسها الثلاثة: رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، فتكاد السفينة تتوقف عن الحركة.

إن نظام الدول، لا سيما التي تزعم أنها ديمقراطية –أو التي هي في طريقها إلى ذلك– يعتمد استقراره وازدهاره على حدٍّ أدنى من الإجماع على قِيم أساسية ومفاهيم تتعلق بهذا النظام، وفي مقدمة هذه القيم حُكمُ القانون.

فالنظام الديمقراطي يحتاج إلى تداوُل سلمي على السلطة، وتحرير اقتصادي، وعدالة اجتماعية، وحكم القانون، وهي أشياء لا تتحقق في دول تقودها ثلاثة رؤوس متضاربة المصالح والرؤى؛ لأن المصلحة العامة ستضيع؛ فالقاعدة أن الدولة للجميع، وأمَّا إذا أريد لها أن تكون لجماعة أو فئة أو شخصاً، فذلك سبيل الفوضى والخراب.