الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

طبول الحرب الباردة.. تُقرع

منذ الأزل والصراع على النفوذ هو المحور الرئيسي الذي تدور حوله القوى العظمى، ولكنّ هذا الصراع لا يعني المواجهة العسكريّة المباشرة بينها، وإنما قد يأخذ شكل الحرب الباردة، وهو ما جرّبه العالم منذ منتصف القرن الـ20، حتى تسعينياته، وطبولها اليوم تُقرع بين واشنطن وموسكو، على خلفية فرض أمريكا عقوبات اقتصادية على روسيا بعد تدخل الأخيرة في الانتخابات الأمريكية، الأمر الذي رفضته روسيا وقابلته بعقوبات مماثلة على واشنطن، واصفة إياها بأنها مجرّد جزء من إمكاناتها الحقيقية.

قد يبدو للوهلة الأولى أن هذه اضطرابات طفيفة في العلاقات بين الدولتين الكبيرتين، وأن الأمر لن يأخذ شكل الكارثة العالمية، ولكنّ الواقع في جوهره جدُّ خطير وليس مقتصراً على هاتين الدولتين فحسب، وذلك بتأثيره المباشر سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً على العالم أجمع.

في الحقيقة، وعلى الرغم من أن السياسة العالمية وفق أدبياتها المعاصرة تحاول تجاوز مفهوم الهيمنة على المجتمع الدولي سواء بأحاديَّة القطب أو بثنائيَّته، فإن هذا في الواقع المفروض لا يمثّل إلا خطاباً دبلوماسياً لا يتعدّى المنابر الدعائية، فواقع الأمر يتمثل بقوى سياسية وعسكرية كبرى تحاول جهدها لفرض أجنداتها على العالم بشتّى السبل السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، لا سيما في ظل مفهوم العولمة المفروض طوعاً أو قسراً.

كلّ ذلك يجعل المواجهة الباردة بين واشنطن وموسكو مدعاةً للقلقِ، لارتباط أغلب الملفات الدولية بسياسة هاتين الدولتين، الأمر الذي يجعل من هذه الحرب السياسية والاقتصادية عابرة لحدودهما، لتأخذ شكل المواجهة الدولية، بتكتّل كلّ حليف مع حليفه، فيفقد العالم بذلك مفهوم الاستقرار الذي يتطلّبه الاقتصاد، لا سيما في ظل الملفات المعقدة التي تنهش العالم أجمع من الصدامات العسكرية إلى التغيرات المناخية والكوارث الصحية، فمعضلة «كوفيد-19» لا تزال مصدر تهديد للبشرية جمعاء عدا عن تسببها بكساد الاقتصاد العالمي وشلّ مفاصله.

لا شك بأن عودة الحرب الباردة لم تُعلن بعد، ولا يزال باب الحوار موارباً بين الجانبين الأمريكي والروسي، إلا أن الخطر المُحدق بات واضحاً، وطبول الحرب يُسمع دويها تلميحاً أو تحليلاً، فلا بدّ للعالم أجمع وعلى الأخص الولايات المتحدة وروسيا من العمل بجدّ للحيلولة دون الوقوع في المحظور، الذي سيصيب العالم برّمته، ولا مكان للنأي بالنفس لأحد حينها.