الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

أفغانستان.. صراع إرادتين

حسمت الولايات المتحدة أمرها في الانسحاب من أفغانستان انسحاباً نهائياً في سبتمبر المقبل لتنهي أطول الحروب التي خاضتها في تاريخها، والتي كانت قد اندلعت في 7 أكتوبر 2001، بعد ثلاثة أسابيع من هجمات 11 سبتمبر!المفاوضات الأمريكية مع حركة طالبان لا تزال مستمرة، وقد نجحت في منع أي استهداف للجنود الأمريكان وهم في طور الانسحاب، لكن من دون أن تحرز تقدماً في بند أساسي هو التعايش السياسي للحركة مع الحكومة الأفغانية الحالية في كابول، التي أعلنت بياناً مفرطاً في التفاؤل في أنها قادرة على حماية البلاد من دون القوات الأمريكية.

النتيجة الأساسية التي يمكن النظر إليها من خلال المدة الطويلة لوجود أمريكا هناك هي تثبيت ركائز حكومة جديدة تقوم على نظرية مختلفة عن نظرية الحكم لدى طالبان، وكأن السنوات الـ20 كفيلة في منح الجيل الجديد فرصة وافية للتطلع إلى الحياة المنفتحة على العالم، وأخذت المرأة الأفغانية المحرومة سابقاً من التعليم مكانة في فعاليات سياسية وإعلامية وتربوية، وباتت جزءاً من استحقاقاتها التي لا تنازلَ عنها تحت أيّ ظرف.

لكن المقلق هو أنّ حركة طالبان المنحسرة داخل مناطق وعرة من حيث التركيبة الجغرافية والسكانية، لا تزال تحتفظ بإمكانات عسكرية لا يستهان بها في الحروب الداخلية في بلاد اعتادت المنازعات لأسباب قبلية وعقائدية، تحركها بخبرة طويلة قيادات الحركة.


فمن الممكن الانتقال إلى مرحلة استعادة السلطة بالقوة مرة ثانية، إنْ لم تكن العملية في العاصمة كابول فإنها قد تكون في الأقاليم التي تعد معاقل تقليدية لجمهور الحركة، وقد اختصر قائد محلي في طالبان مسار الحركة في مقابلة نادرة لهيئة الإذاعة البريطانية - بي بي سي - خلال تجواله في مناطق الحركة بالقول: «إن طالبان السابقة وطالبان الحالية هي نفسها، ولذا لم يتغير أي شيء بين الماضي والحاضر».


من هنا ندرك، أنه لا تزال هناك إرادتان متناقضتان في أفغانستان، لم تستطع الحرب الأمريكية برغم شراستها وإمكاناتها التكنولوجية أن تغير موازين القوى في المجتمع على نحو حاسم في عموم هذه البلاد، التي لا يزال أبناؤها يفخرون بأن ترابها مقبرة الغزاة الأجانب منذ آلاف السنين.

هناك تحد كبير ونوعي سيواجه المجتمع الأفغاني، الذي لم تكفه 20 سنة لإعادة إنتاج هويته الوطنية المتغلبة على نزعات التطرف والمصادرة الفكرية التي مثلتها طالبان منذ ظهورها في أعقاب فشل الغزو السوفييتي السابق.