الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

الهند.. التميز والإنجاز الكبير

لم تعد الهند من دول العالم الثالث، بل إنها الآن دخلت في قوائم الدول الكبرى مع الصين وروسيا، وتحتل موقعاً مميزاً في القوى العسكرية على مستوى العالم، وهناك عوامل كثيرة كانت وراء تحقيق الهند لهذه الملحمة من التقدم، نذكر اثنين منها على النحو الآتي: أولاً: كانت التكنولوجيا المتقدمة أهم الإنجازات في السنوات الأخيرة للهند، ورغم عدد سكانها الكبير إلا أنها نجحت في تحويل هذه الأزمة إلى إنجاز، وذلك حين فتحت الأبواب أمام الصناعات الصغيرة وإتاحة فرص العمل أمام ملايين الشباب، وكذلك أمام هجرة العلماء إلى أمريكا وأوروبا ودول الخليج، وبذلك أصبحوا مصدراً من أهم مصادر الدخل بالنقد الأجنبي للحكومة الهندية.

ثانياً: الإنتاج الصناعي الهندي، الذي أصبح اليوم منافساً للإنتاج العالمي المتقدم، حتّى إن الهند اليوم تعد من أهم مصادر إنتاج السلاح في العالم، كما أنها أصبحت الآن من الدول المنتجة للسلع والمحاصيل الزراعية، ناهيك عن تخصص شركات هندية في صناعة الأدوية.

في منتصف سبعينيات القرن الماضي زرت الهند، وطفت في مدنها الشهيرة: بومباي، ودلهي، ومدراس وكلكتا، وكشمير، ويومها سمح لي المسؤولون أن أزور المفاعل النووي في مدينة مدراس، وكان في المرحلة الأولى، وبذلك شاهدت الانطلاقة الأولى للهند في تجربتها النووية، ولأنني عاشق قديم من عشاق شاعرها الكبير «روبندرونات طاغور»، فقد زرت بيته في مدينة كلكتا، وزرت جامعته دار السلام في نفس المدينة.


يومها لم أكن أتصور وأنا أشاهد حشود الفقراء في الأحياء القديمة، أن الهند بعد سنوات قليلة سوف تصبح من الدول الأكثر تقدماً في العالم، وأنها ستنافس الصين وتصبح من أهم مراكز التكنولوجيا، وقد جمعت بين الفنون والإبداع والحضارة في نسيج واحد، وظلت تجربة الهند تجمع التاريخ والثقافة والإبداع والتنوع في نسيج إنساني فريد وصل بها إلى هذه المكانة.


لقد كان من أهم جوانب التميُّز والخصوصيَّة أن الهند بقيت على عهدها مع تجربتها مع الديمقراطية والحريات والأحزاب، ولم تُفرط في هذا الإنجاز الحضاري والإنساني الكبير، لقد حافظت عليه بتعدد الأحزاب وتنوعها، وبالانتخابات وتكريس الحريات، وكان هذا إنجازها الأكبر الذي فتح أمامها أبواب العالم المتقدم لتكون من أقطابه الكبار.

لقد كان الملايين من البشر يمثلون عبئاً ثقيلاً على الأرض والموارد وفرص الحياة الكريمة، ولكن الإرادة والتخطيط والوعي أقام تجربة فريدة في البناء، وأصبحت تتصدر الآن مواكب الدول الكبرى الأكثر تقدُّماً ورخاء.