السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

موريتانيا بين «حانا ومانا»

بلدان المغرب العربي تربطها وشائج أسريّة وثقافية وتاريخية وجغرافية معروفة، لكن العلاقات السياسية بينها ليست دائماً على ما يُرام، ولا سيما بين الشقيقتين: المغرب والجزائر، وتأثرت موريتانيا سلباً بذلك؛ إذ ظلت علاقاتها بالجارتين الكبيرتين محلَّ مد وجَزر يحكمه ميزان لا يعتدل ولا يستقر في أي اتجاه، فحِينًا يَزْوَرُّ ذات اليمين وطوراً يَنجرُّ ذات الشِّمال.

إن علاقة موريتانيا بالشقيقتين تُجسِّدها قصة ‹‹بين حانا ومانا ضاعت لحانا››؛ تقول هذه الحكاية الشعبية، المتداوَلة بنُسخ متقاربة في التراث الأسطوري العربي والعالمي، إن رجلاً كبير السن كانت له زوجتان إحداهما شابَّة تُدعى ‹‹حَانَا›› والأخرى كَهْلة تُسمَّى ‹‹مَانَا››، وكان الشيب قد اشتعل في لحيته، وكان إذا أتى حانا قصَّت شُعيرات بيضاً من لحيته ليبدو شابّاً مثلها، وإذا أتى مانا نزعت شُعيرات سوداً من لحيته ليبدو كهلاً مثلها، وهكذا حتى اختفى الشَّعَر من لحيته، وذات يوم نظر في المرآة فإذا لحيتُه خالية من الشَّعَر، فقال ‹‹بين حانا ومانا ضاعت لِحَانا››.

ودلالة الحكاية هنا أن كلتا السيدتين لم تشأ أن تقبل الرجل كما هو، فهي تقبله فقط عندما يكون مثلها أو أقرب إليها، فلا تسمح له أن يقترب من الأخرى أو يبدو أكثر شَبَهاً بها؛ فضاع الرجل بينهما.

وهذا مُنطبِق على علاقات موريتانيا بشقيقتيها الجزائر والمغرب، فهي إذا اقتربت من هذه ابتعدت منها تلك، وإذا اقتربت من تلك ابتعدت منها هذه، فلا ترضى الشقيقتان بحيادها فهي إمَّا أن تكون مع هذه وإمَّا أن تكون مع تلك، فلا لَوْنَ سوى الأبيض والأسود.

نعم، لا شك أن المغرب والجزائر تحبان موريتانيا وأن موريتانيا تحبهما، وأن كلتا الشقيقتين تتطلع إلى أن تكون علاقاتها بموريتانيا في أفضل صورة وأقوم حال، وكذلك موريتانيا؛ فإنها ظلت تسعى لحفظ علاقات أخوية متوازنة مع الشقيقتين..

لقد حاول المختار ولد داداه – رحمه الله – التوسط بين الجارتين لإصلاح ذات البين فلم يستطع إليه سبيلاً، وظلت علاقات موريتانيا تتأرجح بين الجارتين وفق خطوات مدروسة وحسابات دقيقة، لأن أي خطوة في اتجاهٍ مَّا قد تكون لها تفسيرات وتداعيات معينة، وهذا ما شلَّ مسار التطوير والازدهار في المنطقة وأعاق مشروعات اقتصادية وتجارية مهمة لتنمية بلداننا للأسف، فمتى ندرك ذلك؟