الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

هواجس مكافحة الفساد في العراق

تجري منذ أيام تحقيقات واسعة في قضايا فساد في العراق، وهذا مطلب حركة الاحتجاج التي اندلعت في أكتوبر 2019، دون أن تتوافر في وقتها إرادة سياسية لفتح هذه الملفات، ذلك أنَّ بناء العملية السياسية للحكم بعد عام 2003، قام على توزيع المناصب بالمحاصصة، وهذه عملية تتحكم بها رؤى الأحزاب واشتراطاتها الداخلية، بل وأوراقها السريّة أكثر من خضوعها إلى رؤية الدولة كنظام عام ومستقر على ثوابت تستمد قوتها من الدستور وحده.

يتخوف الشارع العراقي الذي اعتاد على كسر حلقات الثقة بينه وبين المؤسسات العامة، من أن تكون التحقيقات المفتوحة مع شخصيات نافذة وأخرى في الظل، تتناغم مع الموسم الانتخابي الذي طالما شهد في السنوات الـ18 الماضية تصفيات سياسية لاستبعاد خصوم وتقليم أظافر خصوم آخرين أو إخضاعهم لمحاور أخرى أكثر تأثيراً.

ومخاوف الشارع لا يمكن تجاهلها لأنّها مبنية على استقراء تجارب ماضية، كما أنَّ حصيلة النتائج في ملاحقة الفاسدين كانت دائماً ضئيلة وتدور في نطاق الهوامش، لكن تلك الهواجس لا تصمد إذا ما أقدمت الإجراءات الحكومية على المضي في خطوة جديدة لنقل مستوى التحقيقات إلى نطاق أوسع، لكيلا تنطبع بمسحة مكوّن دون آخر أو قوى سياسية دون أخرى، فضلاً عن الحاجة إلى إعلان نتائج التحقيقات، لتكون قضية عامة لأن موضوع التحقيق هو أموال الدولة المتجاوز عليها.


هناك رؤيتان، الأولى تقول إنّ البلد في حاجة أكيدة إلى استعادة الأموال المنهوبة أكثر منه حاجة إلى زج سارقيها في السجن، لأنه قد لا تتوصل التحقيقات إلى معلومات إجرائية سهلة في إعادة المال المنهوب، وهي تجربة نجحت بها مصر في السنوات الأخيرة، حين قامت بإعفاء الذين أعادوا الأموال المطلوبة من الملاحقات القانونية.


والرؤية الثانية: تتبنَّى محاسبة شديدة لجميع المتورطين في قضايا فساد وإجبارهم على إعادتها مع تطبيق الاستحقاق القانوني في العقوبة، ثمّ كشف الخيوط السياسية التي تتوافر عليها كل قضية فساد، غير أن معظم المراقبين يرون أنّ الحالة العراقية الراهنة ليست في موضع القدرة على فتح كلّ الملفات ونبش خلفياتها السياسية، لأن ذلك يعني انقلاباً حقيقيّاً لتغيير مسار البلد وإعادة هيكلة وضعه السياسي، وهذا ما لا تتوافر عوامل تحقيقه في ظل وضع انتقالي عام ينتظر مجيء حكومة أخرى بعد ستة أشهر.