السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

كل شيء صابون.. عندما فَسَد الزّبون

عندما فَسَد الجمهور وفقد حاسَّة التذوق، فسد الفن والأدب وحتى الطَّعام، وسادت الرداءة كل شيء، وفي سبعينيات القرن الماضي ظهرت موجة الأغاني الهابطة مثل (ما أشربش الشاي أشرب قزوزة أنا)، حينها سأل المطرب المصري الراحل محمد قنديل الموسيقار الراحل عبدالوهاب:

ــ لماذا ساد هذا اللون التافه من الغناء؟

فردَّ عبدالوهاب بهدوء:

ــ لأن الجمهور مات.

إذا كان اللحن يعطي الأغنية حلاوتها مع الأداء، فإن الكلمات تعطي الأغنية بقاءها طويلاً، والأغاني الآن صورة ليست للاستماع، فنحن نشاهد الأغنية ولا نسمعها ولا تعنينا كلماتها، والجمهور يذهب إلى الحفلات الغنائية ليرقص، ويلقى الدباديب على المطرب ولا يستمع، والمطرب يحثُّ الجمهور على الرقص ولا يحثُّه على الاستماع.

وقد كنّا نعرف مؤلفي الأغاني جميعاً، والآن لا نعرف إلا المطرب أو المطربة، وأذكر أنني التقيت يوماً بالشاعر الغنائي الراحل «حسين السيد»، وسألته عن جملة وردت في أغنيته للراحلة وردة (في يوم وليلة)، والجملة تقول:

ــ «هو اللي زيك لو كان فيه زيك في الدنيا حد يحب عليه».

وقلت له:

ــ كيف لمثلك أن يكتب (يحب عليه) هذا؟

فقال:

ــ صدقت.. لقد ظللت أيَّاماً أحاول إيجاد جملة مغايرة، وأخيراً قلت: (كله عند العرب صابون)، فلا أحد يتذوق.

وروى لي أيضاً: أنه عندما كتب أغنيته (الحب جميل) لـ«ليلى مراد» كان مطلعها: (الحب جميل للي عايش فيه، له شرح طويل اسألوني عليه)، لكن ملحن الأغنية محمد عبدالوهاب اعترض على جملة (له شرح طويل)، وظللت ساعات أبحث عن بديل حتى صارت الجملة (له ألف دليل).. كنا ندقق في الكلمات ونبدل فيها حتى نصل إلى المعنى المناسب، أما الآن فقد (فسد الزبون، فصار كله عند العرب صابون)، والزبون الذي يرى كل شيء (صابوناً) هو الجمهور.