الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الاستهلاك المفرط.. مشكلة العالم المعاصر

تناولت في مقالي الأسبوع الماضي تبعات التعليق المؤقت لعبور قناة السويس، والتطور الطارئ على الممرات التجارية البحرية والبرية في القطب الشمالي، والأهمية التي ينطوي عليها مشروع طريق الحرير الجديد الذي تتبنّاه الصين.

وأرى أنه من الضروري أن أشير الآن إلى أن الحركة الإجمالية للبضائع العابرة للممرات التجارية العالمية، حيث تشهد ازدياداً متواصلاً بسبب الشهيّة الأوروبية المفرطة، والتي ليس لها حدود لاستيراد السلع المصنّعة من الصين وبعض البلدان الآسيوية الأخرى.

وتمثّل هذه الزيادة في الحركة التجارية مشكلة عالمية حقيقية، لأن الاستهلاك غير المنضبط للبضائع يستنزف الموارد الطبيعية لكوكبنا ويؤدي إلى ارتفاع معدل درجة حرارة جو الأرض، وإذا لم يتم تخفيض هذا الاستهلاك بشكل كبير، فلن تتحقق الأهداف المأمولة من تطبيق اتفاقية باريس للمناخ التي تقضي بخفض متوسط درجة حرارة جو الأرض قبل نهاية القرن الجاري.


وسوف تتفاقم هذه المشكلة مع الزيادة المتواصلة في الطلب العالمي على السلع المصنّعة حتى في الدول الأكثر فقراً، والتي يتزايد عدد سكانها بطريقة غير منضبطة، ومن المنتظر أن ينضمّ إلينا ملياران من سكان الأرض الجدد بحلول عام 2050، وتكمن إحدى أهم المشكلات التي تواجه العالم في أن استهلاك مصادر الطاقة والمواد الخام لا يتجاوز الموارد المتاحة فحسب، بل إنه يزيد على احتياجات البشر أيضاً.


وإذا كان من العسير إجراء فرز دقيق بين الاحتياجات الضرورية للبشر وبين تلك التي يمكن الاستغناء عنها، فإن مما لا شك فيه أن جزءاً كبيراً من السلع والبضائع المتجهة إلى أوروبا يمكن وصفها بأنها «غير أساسية».

ولقد قمت بزيارتي الأولى إلى تشيكوسلوفاكيا عام 1969، عندما كانت تحت الحكم الشيوعي، ولم تكن المواد الغذائية متوفرة فيها على النحو الكافي، ناهيك عن بعض السلع الأساسية الأخرى، ولكنّها تمكنت من تحقيق تقدّمها إلى الأمام منذ ذلك الحين.

هذه الشحنات الضخمة من الحاويات التي تحملها السفن العملاقة العابرة للمحيطات، مخصصة لتغذية هذا الجوع الاستهلاكي وهذا الاتجاه الواهم والأعمى نحو التطور والتقدم الاجتماعي.

ويتيح لنا شهر رمضان المبارك فرصة التذكير بأن البشر لا يتغذّون على الخبز وحده، ومن أهداف الصوم أيضاً تعميق مشاعر التضامن بين الناس، والتواضع وضبط النفس، وعدم الانسياق الأعمى وراء شهواتنا لاستهلاك أكبر قدر ممكن من الخيرات التي تنعم بها الأرض، وضبط إسراف مواردها وفقاً لحاجاتنا الأساسية، وبما يجنّب العالم الصراعات والحروب التي تهدف للفوز بأكبر قدر منها.