الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

الديمقراطية.. والتعليم

حين نأتي على ذكر الديمقراطية يتبادر إلى الأذهان تلك الاشتقاقات السياسية التي انبثقت من هذا المفهوم، وقد نشعر بالانقباض لأنها مورست في كثير من الأحيان بشكل غوغائي بعيداً عن غاياتها الحقيقية، لكن الديمقراطية في أصلها عقيدة اجتماعية قائمة على التشاور والتواصل الإنساني المنظّم، قبل أن تكون نهجاً سياسيّاً، وهذا التواصل مرتبط بالمشاركة في أطروحات إثرائيّة وغير إلزامية على الأطراف الأخرى، يتم التعاون بشكل واضحٍ وهادف لاقتراح حلول لمشكلات تهم المجتمع.

ويصبو هذا التصوّر إلى صقل المهارات الشخصية، كالتفكير الناقد، والإصغاء، والتفهّم، ثم التفاعل لإنتاج حلول مُبتكرة. ومن خلال هذا التفاعل المستمر نصنع دوائر ديمقراطية صغيرة في البيوت، والأحياء، ثم المجالس والبرلمانات، لإيجاد مجتمع يعكس تلك المهارات التي تشرّبها أفراده منذ الصغر. وهكذا تتحول الديمقراطية من مجرّد تصوّر ذهني إلى واقع في معظم معاملات المجتمع.

وتشكّل المدرسة المصدر الأهم لغرس المبادئ من خلال المناهج والأنشطة التعاونية والمعاملات الجماعية بين الإدارات والمعلّمين والطلبة، وقد شدّد التربوي وعالم النفس «جون ديوي» في فلسفته الخاصة على دور المدرسة في تشكيل التصوّرات الذهنية الأولى للطفل وتحويلها إلى ممارسات وتجارب، فالمدرسة في مفهوم ديوي عبارة عن مجتمع مصغّر، يتفاعل الطالب في داخله بمفاهيمه الصافية والنقية، ليواجه شوائب العالم ونكساته فيما بعد بما يمكن أن يرتقي به إلى صورته المُثلى، من خلال الأدوات التي حاز عليها الطالب في مدرسته.

وقد يرى البعض أن هذا ليس إلا تصوّراً حالماً من ديوي يمكن أن يُطبّق في أضيق نطاق، رغم مناصرته للبراغماتية وحل المشكلات بواقعية. وبهذا لا يزال الوصول إلى الغايات العظمى من التعليم طريقاً مفتوحاً للبحث والاجتهاد.