السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

رياح الإقليم.. وعُزلة النهضة

لا تتوقف حركة النهضة التونسية عن محاولة الخروج من عزلتها السياسية، التي وضعت نفسها فيها منذ سنوات، لكن المفارقة أن كل محاولة للخروج من هذه العزلة تزيد من تضييق الخناق عليها، وتشترك في رسم تلك المفارقة النهضة نفسها في المقام الأول، ثم بقية القوى السياسية التي باتت تقتنع تباعاً بأن الحركة الإخوانية تنظر للوطن من ثقب انتمائها الإخواني.

لم تعد النهضة قادرةً على الاقتراب من أي حزب أو تيار سياسي، عدا أتباعها الذين قيدتهم إلى ركابها بروابط الفساد والأيديولوجيا، لكن الجديد هو أن التقارب التركي ـ المصري زاد من هواجس النهضة ومخاوفها، وما أخرج تلك المخاوف إلى سطح الارتباك النهضوي هو زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى مصر التي أصابت الحركة بالتوتر الذي تبدّى في تصريحات قياداتها وتنديد أنصارها.

الاستدارة التركية صوب مصر ستظل تُقرأُ بعيون عربية حذرة دأبت على براغماتية تركيا وازدواجية معاييرها، لكن المحور المفصلي في الامتحان التركي هو صلتها بجماعات الإخوان المسلمين، وفي قلب ذلك المفصل تتوجس النهضة خيفة من كل خبر يردُ من أنقرة أو من القاهرة، الأولى لأنها عرّابة الإخوان القديمة، والثانية لأنها الجبهة المتقدمة في الحرب على الجماعة المصنّفة إرهابية.


ما يصل بين وضع النهضة داخل تونس، وبين الرياح الإقليمية التي تجري عكس ما تشتهي سفن الحركة، هو أن النهضة تستشعر عزلتها من خلال مرابطة الرئيس سعيد على معارضة تمكين النهضة، ومن خلال إيمان كثير من القوى المدنية بأن خروج تونس من أزمتها يبدأ من إنهاء زمن الإسلام السياسي في البلاد، لكنها كانت تتعامل مع واقعها الداخلي بزهو نابع من اتكائها على دعم سياسي ومالي يأتي من قطر وتركيا، ولذلك فإن فقدانها الدعم التركي القطري أو حتى جزءاً منه، سيضع الحركة في مواجهة واقعها الداخلي عارية من كل إسناد إقليمي.


قد لا يؤثر التقارب التركي ـ المصري سريعاً على موقع الحركة في المشهد السياسي في تونس لأنها أحكمت التسرب داخل تفاصيله، لكنه سيفقدها الكثير من مصداقيتها، إذ لن يكون بوسعها التنديد بالتصريحات التركية الأخيرة، وسيزيد من عزلتها في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية وتدهور الوضع الصحي.

أتقنت النهضة صنع الأعداء وأصبحت بذلك تعدم سبل إيجاد شركاء يثقون بخطط هندستها للمشهد، وكانت مطمئنة في ذلك إلى دعم إقليمي قد يصبح في خبر كان في ظل رياح جديدة تهبّ من الشرق.