الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

هل بدأ وقت «الحلم الصيني»؟

تواصل أمريكا والصين إطلاق التصريحات التي تظهر مدى التوتر الذي وصلت إليه العلاقات بينهما، والمرشح للتطور إلى مراحل أكثر تعقيداً في ظل التعنُّت الواضح من الطرفين، خاصة الطرف الأمريكي الذي يرى في النهج الصيني نهجاً يسير في خط مضاد تماماً للقيم الأمريكية المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

الرئيس الأمريكي جو بايدن يبدو أكثر صلابة وتشدداً من سلفه دونالد ترامب في تعامله مع بكين، وهذا ما يزيد من حدة التوتر، ففي حين ترى أمريكا في الصين رمزاً للاستبداد، ترى الأخيرة أن واشنطن لديها رغبة في فرض نموذجها الديمقراطي على العالم، انطلاقاً من مبدأ القوة، وليس من مثاليَّة النموذج.

وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسنجر الذي يعرف بأنه مهندس التقارب بين البلدين في سبعينيات القرن الماضي، حذر من انفجار الخلاف بين البلدين، وتداعياته الكبيرة على الأمن والسلم العالميين، لكون الدولتين تمتلكان قدرات تكنولوجية هائلة، تجعل من أي صراع بينهما صراعاً مدمراً.

التوتر الأمريكي الصيني لم يصل بعدُ إلى حد التصادم المباشر، والدولتان غير معنيتين في هذه المرحلة بدخول نزاع مسلح لا تُعرف مآلاته ونتائجه، إلا أن واشنطن بدأت تعي تماماً أن بكين أصبحت أكثر من مجرد دولة مشاكسة، بل باتت تشكل لدى العديد من دول العالم نموذجاً ينافس النموذج الأمريكي، وهنا مربط الفرس وسبب تصلب أمريكا في تعاملها مع الصين.

أمريكا لطالما قادت العالم عبر ترويجها للحلم الأمريكي القائم على الحرية وحقوق الإنسان، إلا أن هذا الحلم بدأ يفقد بريقه مع النتائج الكارثية التي تركتها الولايات المتحدة وراءها بعد تدخلها في الكثير من دول العالم، بينما بدأ صعود النموذج الصيني القائم على التنمية والشراكة الاقتصادية، وانعكاسات ذلك على توفير الوظائف والرفاه الاجتماعي، بعيداً عن محاولة فرض نظام سياسي معين على الدول الحليفة والصديقة.

التشدٌّد الأمريكي أمام الصعود الصيني لم يأتِ فقط لمنع الصعود الصيني ومنع بكين من تهديد المصالح الأمريكية، بل لإدراك واشنطن أن مبدأها الذي تعاملت مع العالم على أساسه لعقود طويلة أصبح أكثر هشاشة، وأن العديد من دول العالم أصبحت ترى أن النموذج الصيني أكثر ملاءمة لها، كونها تحقق منه فوائد اقتصادية كثيرة، من دون تقديم تنازلات تتعلق بطرق وأساليب حكمها.

باختصار، فإن واشنطن ترى في النموذج الصيني تهديداً قادراً على إضعاف «الحلم الأمريكي»، وبديلاً قد يصبح يوماً «الحلم الصيني»، وهذا ما سيجرد واشنطن من أقوى سلاح استخدمته في تكريس زعامتها للعالم عبر العقود الطويلة الماضية.