الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أكبر ضحايا الحرب في اليمن

في كثير من الأحيان تبدو غواية الأدب مجازفة غير محسوبة العواقب، وخصوصاً في البلدان التي تموج بالصراعات والحروب ويتحول فيها الأديب والمبدع إلى أضعف حلقات الصراع، ويدفع الثمن الأكبر في رحلة البحث عن «لقمة العيش»، وصولاً لمعاناة «البحث عن وطن» في مرحلة لاحقة.

وفي الوقت الذي يستطيع فيه السياسي أو حتى الصحفي ـ على سبيل المثال ـ أن يلوذ إلى الطرف الأقوى أو يبدل اصطفافاته لينجو أو يتكسب، يجد المبدع الحالم ذاته في واقع غريب، شديد القسوة لا يعيره اهتماماً ولا يخطب وده في سلم أو حرب، فزمن الرصاص ليس زمن القصائد، وعندما تعلو أصوات القذائف تتلاشى أصوات العصافير وتخبو أصوات الشعراء!

وقد شهدنا في السنوات الماضية نماذج عديدة لواقع أدباء ومبدعين عانوا الويلات في دول عربية عانت من الصراعات السياسية والحروب، كما هي حال اليمن، التي تفاقمت فيه معاناة الكتاب والمبدعين والأدباء والفنانين، وهي المعاناة التي كانت قائمة في سنوات السلم، ولكنها تحولت إلى كارثة مكتملة الأركان بعد انهيار الدولة، وتبدد المؤسسات الثقافية القليلة التي كانت تمثل بصيص أمل في واقع ثقافي كالح العتمة.

وفي الأيام الماضية امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور فنان يمني ريادي وهو يهيم على وجهه، في صورة تكررت كثيراً خلال السنوات الماضية لأدباء يموتون على رصيف الإهمال والمعاناة، ومبدعين في شتى مجالات الإبداع مثل الفن التشكيلي والغناء والكتابة، وقد تحولت حياتهم إلى جحيم مضاعف بعد أن فقدوا الهامش اليسير الذي كان يمنحهم الأمل في بلد تتناوشه الصراعات والحروب منذ 10 سنوات تقريباً.

ولم تكن المعاناة حكراً على المشتغلين بحرفة الأدب فقط، بل طالت أكاديميين وأساتذة جامعات تداول اليمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لبعضهم وهم يعملون في مهن قاسية، كباعة متجولين أو عمال بناء وغير ذلك من المهن، بعد أن تعطلت المؤسسات التعليمية أو توقفت عن صرف رواتبهم أو ذهبوا ضحية للتصنيفات السياسية.

وجاء وباء «كورونا» ليزيد الطين بلة، ويضاعف من معاناة كثير من المبدعين، ويختطف أرواح العديد من العلماء والمؤرخين والأكاديميين والأدباء، بعد أن عانوا من آثار الحرب وتداعياتها في صورة شديدة السوداوية لحال المبدعين وحملة الأقلام في زمن الحرب.

والواقع أن الفقر والمرض والمعاناة النفسية التي خلفتها الحروب اليمنية، لم تكن المسؤول الوحيد عن هذه المعاناة التي يرزح تحتها المشهد الثقافي اليمني، حيث عمَّقت من هذه المعاناة حالة العزلة التي يعيشها المثقَّف اليمني.