الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«الخصوصية».. منطقة حرام

«الخصوصية» هي ذلك الجزء من حياة الإنسان الذي يريد أن ينعم به بهدوء، دون أن يَطَّلِع عليه الآخرون، وقد منحها الإسلام حُرمة كبيرة (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ بُيُوتِكُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَهۡلِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٌ لَّكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمۡ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَدًا فَلَا تَدۡخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤۡذَنَ لَكُمۡۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ٱرۡجِعُواْ فَٱرۡجِعُواْۖ) (النور: 27- 28)

ومن الأمثلة التي لها مغزى هنا أن الخليفة عمر بن الخطاب وعبدالرحمن بن عوف كانا يحرسان المدينة ذات ليلة، فسمعا لَغَطاً في بيت، فاقتربا منه فإذا بجماعة سَكارَى، فقال عمر لعبدالرحمن إنهم يشربون الخمر، ‹‹فما ترى؟ قال عبدالرحمن: أرى أنَّا قد أتينا ما نهى اللَّه عنه: (ولا تَجَسَّسُوا)، فقد تجسسنا فانصرف عنهم عمر›› وستَرهم، وفي الحديث: ‹‹من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة››.

وقد أعجبني ما وصلت إليه المحكمة الدستورية العليا في مصر في أحد قراراتها: أن هناك ‹‹مناطق من الحياة الخاصة لكل فرد تُـمَثِّلُ أغواراً لا يجوز النفاذ إليها››، وجميع القوانين الوطنية والدولية والاجتهادات القضائية في كل مكان تحظر اختراق خصوصيات الأفراد وكشفها.

لكن َّكثيراً من الإعلاميين، ولا سيما مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يستغلون هذه المنصات وغيرها، من الأدوات التي يُتيحها لهم الفضاء الرقمي اللامحدود، لكشف تلك الأغوار الإنسانية المستورة ونهش أعراض الناس وتَتبُّع خصوصياتهم وفضائحهم ونشرها بهدف تشويه سمعتهم أو ابتزازهم وإرهابهم، وهذا مخالف للقوانين الوضعية والقواعد الإسلامية والأخلاق المهنية.

وما لم يوضع حدٌّ لجرائم النشر الإلكتروني والابتزاز الرقمي، فإن بلداننا ستدخل في مرحلة من الفوضى الأخلاقية التي قد تدمر عُرَى المجتمع ونسيجَه الاجتماعي؛ فالخصوصية عنصر أساسي من حياة الإنسان وكرامته، بل لعلها من أهم ما يميز الإنسان من الحيوان، وبانتهاكها تتعرض حياة الناس للاضطراب وعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي.

فالإنسان الذي يشعر أن خصوصيته مهدَّدة باستمرار لا يستطيع أن يمارس حياته بشكل طبيعي، بل سيظل في حالة دائمة من التوتر وعدم الطمأنينة، فتتحول حياته إلى خوف وقلق دائمينِ؛ لأنه يشعر أن أغواره الإنسانية التي يعتبرها دائرة مغلقة خاصة به وحده أصبحت مكشوفة للجميع، وستصبح الحياة بالنسبة إليه عذاباً أليماً، لشعوره أن إنسانيّته منقوصة وكرامته مُهانة.