الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

نحن أبطال مهرجان «كان»

أدمن العرب مدح الماضي وقدح الحاضر والمستقبل بلا تحفظات أو استثناءات، الماضي الجميل وأفلام الزمن الجميل، والبكاء على الأطلال، سواء أطلال بيت الأحبة أو أطلال البشر الأموات، كل الأموات عباقرة يستحقون التكريم وكل الأحياء لا قيمة لهم، وهذا دأبنا منذ مئات السنين، وكان التابعون يقولون: «كان الناس ورقا لا شوك فيه وصاروا شوكاً لا ورق فيه»، وقال الشاعر الطغرائي قبل ألف عام أو يزيد:

غاض الوفاء وفاض الغدر

واتسعت مسافة الخلف بين القول والعمل

ما كنت أوثر أن يمتد بي زمني

حتى أرى جولة الأوغاد والسفل

ونحن نقول ذلك الآن ونشيد بزمن هذا الشاعر، وقبل ذلك بكثير قال طرفة بن العبد: ذهب الذين يعاش في أكنافهم

وبقيت في خلف كجلد الأجرب

وكل شيء ذهب تراه من ذهب

كل شيء أو شخص في الحاضر من ورق وقش ولا وزن له ولا قيمة، حتى الأطفال يتحدثون عن الماضي الجميل ويقولون (كان زمان)، والأمر لم يعد قاصراً على كبار السن، وهذا الرفض المنهجي للحاضر والمستقبل آفتنا وسبب تخلفنا ومقاومتنا للتطور بوصفه اعتداء على الماضي الذي نقدسه، حتى الذين يتمسكون أو يزعمون أنهم يتمسكون بالدين يسمون أنفسهم سلفيين أي ماضويين وهم يرفضون الحاضر بوصفه بدعة وضلالة، الزمن الحاضر الذي لا يد لنا فيه يرونه بدعة، وبهذا الوصف كان أقوام الأنبياء سلفيين عندما رفضوا رسالات الأنبياء بزعم: (بَلْ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٍۢ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهْتَدُونَ)، الزخرف - 22، وهكذا ظللنا جميعاً سلفيين في كل أمورنا، في الفن والأدب والإعلام والدين، ولا نكف عن (كان يا ما كان)، ونرفض كل جديد حتى بلغ الأمر تقديس أفكار خاطئة، واختفت فضيلة إعادة النظر، ونردد دائماً: ليس في الإمكان أبدع أو أفضل مما كان، ويبدو أننا سنبقى طويلاً أبطال (مهرجان كان).