الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

مآسي النزاعات الحدودية.. والمائية

شهدت بداية شهر مايو الجاري اندلاع نزاع عنيف بين القرويين على الحدود المشتركة لدولتي طاجيكستان وقيرغيزستان قرب مدينة «كوك تاش» عاصمة مقاطعة باتكين القرغيزية، وكان سبب الخلاف الذي نشب بين الطرفين عدم التفاهم على طرق تقاسم نهر صغير يُعتبر مصدراً حيوياً لمياه الري للمزارعين على جانبي الحدود، وسرعان ما تحول النزاع إلى معركة عسكرية حقيقية بين جيشي البلدين أدت إلى مقتل 40 شخصاً وتشريد 30 ألف فرد، ولم يكن التوتر بين هذين البلدين اللذين كانا تابعين للاتحاد السوفييتي السابق، قد بلغ مثل هذه الدرجة من قبل.

أكد هذا الصدام أن المشاعر القومية ليست أقل قوة وتأثيراً مما كانت عليه في العهود السابقة، وما لبث أن تحوَّل نزاع من حرب حدود إلى صراع افتراضي شغل مساحات واسعة من شبكات التواصل الاجتماعي، حيث حلّت لهجة توجيه الإهانات والتهديدات الكلامية محل طلقات الأسلحة النارية، وقد تكون هذه الحرب الإعلامية أقل فتكاً ولكنها ليست أضعف تأثيراً.

الحدود ليست إلا خطوطاً وهميَّة من اختراع البشر، وهي في الوقت ذاته مصدر مصطنع للخلافات والنزاعات بين الدول والشعوب، ومن المعروف أن الدول التي تقوم على أساس عرقي تعرّض نفسها لمخاطر الانقسامات الداخلية والحروب الخارجية، ويعود سبب ذلك لأن الحديث عن نقاء الدم هو وهم بيولوجي.


لقد خُلقت المجتمعات لتكافح من أجل تحقيق التنوع، وهذا ما حضّ عليه القرآن الكريم حتى تتمكن من إغناء ثقافاتها وخبراتها، وليس من أجل أن تتشتت وتتقاتل فيما بينها، ويجب أن يمثل تقاسم المياه دافعاً للتضامن وبذل الجهود المشتركة لتحقيق التقدم والازدهار لكافة الأطراف المعنيّة، وعلى عكس السدود العالية التي يمكنها أن تغيّر النسق الطبيعي لجريان الماء، وبما قد يؤدي إلى تهجير الناس من بيوتهم، فإن «الأفلاج» وهي نظام ري بسواقٍ صغيرة، تُعدّ مصدراً للحياة وأداة لتحقيق الاستقرار والازدهار.


الآن، يسود الاعتقاد بأن الحدود المصطنعة هي النظام النقيض للتقدم التكنولوجي، وخاصة مع التطور الذي طرأ على التعاون الاقتصادي والتمازج الثقافي الذي أدى إلى نشوء «القرية العالمية».

وفي حدث جديد ومفاجئ، عادت مشكلة الحدود إلى الواجهة في أيرلندا الشمالية عندما تعيّن على السياسيين ترسيم الحدود النهائية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا العظمى بعد انسحاب بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، وأيضاً مع تعالي أصوات المواطنين الاسكتلنديين المطالبين بالانفصال عن اتحادهم مع بريطانيا والذي دام قروناً.