الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

تونس.. الأزمة والأعطاب

وصلت الأزمة الاقتصادية في تونس إلى ذروتها، وتعددت أعراضها من ضغوط المالية العمومية إلى ارتفاع النفقات وتراجع المداخيل، وتدهور عائدات المناجم والطاقة والسياحة، بالإضافة إلى تبعات استمرار القيود المفروضة لمواجهة وباء كورونا.

الغريب أن تذهب تونس إلى الصناديق المالية الدولية بحثاً عن ترياق لعلاج أزمة أحد أكبر مظاهرها، وهو ارتفاع الدين الخارجي.

تحدث هذه الأزمة الاقتصادية في واقع انقسام سياسي أنتج تقاعساً على تشخيص الواقع، وتركيزاً على المصالح الحزبية، ولذلك لم يكن أداء الطبقة السياسية الحاكمة في مستوى ما يهدد البلاد من أخطار الإفلاس في حالة الوصول إلى عدم القدرة على سداد الديون الخارجية، أو في كلفته الاجتماعية على مستوى تراجع القدرة الشرائية وغلاء الأسعار، وغيرها من المظاهر المرافقة.


الأزمة الاقتصادية في تونس هي أزمة سياسة ما بعد ثورة عام 2011، وهذا لا يعني أن حال تونس قبل الثورة كان خالياً من الصعوبات الاقتصادية، لكن الانحدار الذي تعيشه البلاد اليوم هو بلا سابق في تاريخها المعاصر.


بدأت الأزمة الاقتصادية عندما غلّب الساسة الجدد مصالحهم الحزبية على مصلحة البلاد، فكان أن أغرقت تونس بالتوظيف العشوائي في القطاع العمومي لتعويض «مناضلي» حركة النهضة عن سنوات نضالهم، فضلاً عن الكلفة العالية لقانون العفو التشريعي العام وهو مرسوم صدر عام 2011، ويقضي بمنح تعويضات أشخاص أُدينوا قبل عام 2011 إثر محاكمات اعتبرت ذات طابع سياسي.

وما حوَّل الأزمة الاقتصادية إلى كرة ثلج تزداد استفحالاً هو أن السياسات الاقتصادية في تونس من قبيل إعادة الخطوات نفسها وانتظار نتائج مختلفة، لذلك لم تجرؤ الحكومات المتعاقبة على إحداث أي تغيير في منوال التنمية المعتمد منذ ما قبل 2011، بل زادت عليه مظاهر المحسوبية وانعدام الكفاءة والولاء الحزبي.

في هذا المفصل من تاريخ تونس لم يكن أمام الحكومة والبرلمان سوى الهرولة نحو المزيد من التداين لترميم اقتصاد تنخره الديون.

المفاوضات الراهنة من صندوق النقد الدولي بغاية الحصول على أكبر قرض في تاريخ البلاد، وتوجه راشد الغنوشي رئيس البرلمان إلى قطر من أجل الحصول على الدعم، هي تحركات لن توقف نزيف الاقتصاد بل ستزيد تكبيله لعقود مقبلة.

لقد توقفت محركات الاقتصاد التونسي عندما تعطلت محركاته المعروفة، التصدير والاستهلاك الداخلي والاستثمار، وكل تلك الأعطال ناتجة عن السياسات الاقتصادية المرتجلة التي تستسهل الركون إلى التداين، وتتفادى إجراء التشخيص العميق الذي سيحيل بالضرورة إلى أعطاب السياسة.