السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

من الصحراء.. إلى الفضاء

تحوُّلان عظيمان مرت بهما منطقة الجزيرة العربية؛ غيَّرا مسار التاريخ العربي، وربما العالمي، كاملاً.

الحدث الأول هو ظهور الدعوة المحمدية بصفتها المرحلة الثالثة من الكتب السماوية التي اختصت بها المنطقة العربية، والحدث الثاني هو ظهور النفط في منطقة الخليج وانخراط الدول الخليجية في الحداثة العالمية وفي حركة العولمة الدولية.

الحدث الأول تمثل في بزوغ الإسلام في مكة والمدينة، وهي مواقع روحانية لسكانها، وممر تجاري لمراكز التجارة الكبرى في حينها، هذا الحدث حوّل تلك المنطقة إلى دولة بعد أن كانت قبائل شتَّى تخضع لنفوذ الروم والفرس، ومن الدولة تعاظم طموح القبائل لتشكيل الإمبراطورية، فتشكلت واحدة من أكبر وأعظم الإمبراطوريات في العصور الوسطى، إنها الإمبراطورية العربية التي امتد حكمها من حدود الصين شرقاً إلى المغرب وإسبانيا غرباً، وأوشكت أن تطرق أبواب روما.


فحكمت مساحة شاسعة من العالم القديم، وخضعت لها أقدم الإمبراطوريات مثل: الإمبراطورية الفارسية والرومانية في كل سواحل البحر المتوسط الشرقية والجنوبية، تعلم أولئك البدو القدماء فنون القتال الحديثة، وعلوم السياسة والإدارة، وبرعوا في العلوم التطبيقية، وشجعوا الترجمة، وبناء المكتبات والمعامل، استثمروا كل إمكانات الدول التي دخلوها، وسخروا الثروة في خدمة الدولة والسلطة، فهددوا أكبر الإمبراطوريات العالمية، تعثروا مرات، ونهضوا أخرى، وهذه حتمية التاريخ الكونية لا تفلت منها أي حضارة.


وفي بدايات العصور الحديثة حين عاد نفوذ شبه الجزيرة العربية إلى مساحته المغلقة، ساهم اكتشاف النفط باعتباره ثروة العصر ومحرك الطاقة، في تبنّي دول الخليج لكل عمليات التحديث والتطوير المتاحة حينها، تمكنت دول الخليج العربي من اختصار مسافات زمنية فائقة لردم الهوة بين واقعها المتأخر وواقع بعض جيرانها العرب، وواقع العالم الكبير، وفي أقل من 50 عاماً على اكتشاف النفط صار الخليج مقصد العالم في الاستثمار والتعليم والتصنيع واستطاعت دول الخليج إحداث تنمية فارقة في المنطقة، وتثبت موقعها كدول مؤثرة وذات نفوذ إقليمي ودولي، وفي أقل من مائة عام استطاعت دول الخليج تجاوز أزمة المصدر الواحد للثروة، وصارت من أهم المواقع المالية والجغرافية واقتحمت مجالات السياحة والتقنيات وعلوم الفضاء والتجارة الحديثة بمختلف أنواعها.

في هاتين المحطتين المهمتين أثبت بدو الجزيرة العربية أنهم الأفضل في استثمار الفرص والثروة البشرية، والأقدر على تحويل مسار التاريخ، وأن العلم والقوة والتفوق والنفوذ والإقدام والشجاعة محلها العقل والجنان، وليس في الخيمة أو بيوت الحجر.