الأربعاء - 17 أبريل 2024
الأربعاء - 17 أبريل 2024

القوّة الدولية.. والتنويع

تعتبر مسألة تنويع مصادر القوة رهاناً مركزياً في العلاقات الدولية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لأن النموذج التقليدي القائم على القوة العسكرية وحدها لم يعد كافياً للتفوق والسيطرة، فإذا كان لويس السادس عشر ونابوليون قد تمكنا من بسط سيطرتهما على أوربا بالاعتماد على التفوق العسكري بدون توفرهما على موارد اقتصادية قوية، بحيث أصبح هذا التوجه عقيدة سياسية آمنت بها الدول الأوروبية لتثبيت استعمارها، فإن ذلك لم يعد فعالاً في تحصيل القوة وإنفاذها، لأن ما ظهر مع ما يُطلق عليه «السلام البريطاني»، جعل من الهيمنة الاقتصادية أساس كل قوة مستدامة، على عكس القوة العسكرية التي لها أمد قصير في الزمان والمكان.

لكن العالم اليوم بكل تعقيداته سواء من حيث الحساسيات الحقوقية والسياسية والمدنية التي انبثقت منه، أو من حيث الثورة التواصلية والرقمية وبزوغ «العصر الفيروسي» الذي غير معناه، لا ينفع معه المصدر الواحد للقوة، عسكرياً كان أو اقتصادياً، وفهمت الدول الكبرى أن مجال التنافس اليوم هو التمكن من القوة المتعددة والمتداخلة بما يجعلها منسابة على حد تعبير المفكر الأمريكي والخبير في علوم السياسة «ستانلي هوفمان».

ولقد أثبتت الدراسات الأخيرة أن الاستثمار في النفقات العسكرية وفي الاقتصاد الأحادي الاتجاه، أصبح متجاوزاً أمام قيمة الاستثمار في انتزاع الثقة من شعوب ودول العالم، كلما حصلت هذه الثقة سَهُلت مأمورية السيطرة المعنوية ومن خلالها تأتي السيطرة الاقتصادية والثقافية والهيمنة السياسية، ذلك هو معنى القوة المنسابة.


إن إشكالية العالم الكبرى، اليوم، هي كيفية تجاوزه لمعضلة المفهوم التقليدي، فالقوة العسكرية لم تورثه إلا ردات فعل العنف المتطرف وعدم الاستقرار المشوب بقلق وجودي غير مسبوق، فضلاً عن أن التلويث الحربي للبيئة كان له رداته هو الآخر بإنتاجها لمقاومات فيروسية ضد البشر، كما أن الهيمنة الاقتصادية التي أصبحت منكشفة لأبسط فئات المجتمعات الدولية، جعلتها تعي أسباب تعمق الفجوة بين أفراد المجتمع الواحد، وخلفيات التوزيع السيئ للثروة وصعود لوبيات اقتصادية ومالية لا همّ لها إلا الربح الفاحش والسريع.


انكشاف لعبة هذه الهيمنة أمام مختلف أفراد المجتمعات، كوَّن لديها إحساساً بالكراهية ضد الدولة وبالرغبة في تدميرها، ما دامت هذه الدولة، في نظر هذه الفئات ترعى الفساد ولا تحاربه.. هنا ذكر نعوم تشومسكي: أن القوة الاقتصادية، بمفهوم الليبيرالية المتوحشة، أوجدت من حيث لا تحتسب مقاومات اجتماعية دولية، عمودياً وأفقياً، تسببت في زحزحة أركانها عبر استنهاضها لغطاءاتها الحقوقية والسياسية والدعوة إلى مقاطعة كثير من منتوجات شركاتها، كما حصل مثلاً مع مسلمي العالم لما تمت الإساءة إلى معتقداتهم الدينية.