الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

ذكريات السنوات العشر

عندما تفجّرت انتفاضات ما يسمى «الربيع العربي» قبل عشر سنوات، كان لها وقع المفاجأة، وكنت في ذلك الوقت أترأس مركزاً مهماً للبحوث العلمية في القاهرة مجاوراً لميدان التحرير، وكان عامراً بالنشاطات والندوات والمناقشات الثريّة والساخنة، وذكرتني تلك الأحداث بتجاربي الأكاديمية الخاصَّة التي عشتها في جامعة السوربون الباريسية العريقة عام 1968، وبالرغم من مرور وقت طويل على بداية هذه الأحداث، فلقد أصبحت تشكل علامة فارقة في التاريخ المعاصر بسبب تداعياتها عميقة الأثر على المجتمعات المعنيّة.

وبعد كل تلك الأحداث التي رافقت «الربيع العربي»، فإننا لا نلمس من نتائجها وتداعياتها ما يدعو للشعور بالفرح والابتهاج، فهناك ثلاثة بلدان عربية تعيش حالة من الاضطراب تقترب من الانهيار، وعادت دول أخرى إلى مربعها الأول، ولا تزال تدفع الثمن الباهظ لخيبة آمالها.

ومن المحتمل أن يرى البعض في هذا الموسم الذي اختلطت فيه الآمال بالمآسي، نقطة تحول بارزة في مستقبل المجتمعات العربية، وكان من أبرز نتائج تلك الانتفاضات أنها منحت حركات الإسلام السياسي فرصة مؤقتة للاستيلاء على السلطة، ولكنّها أثبتت فشلها الذريع في الأداء عندما كشفت عن طبيعتها الانتهازية الحقيقية، وعبّرت الحشود الجماهيرية الكثيفة التي رافقت تلك الأحداث عن أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الأجيال الشابة على الساحة، وبدا الأمر وكأنه يمثل تعبيراً عن ثورة حقيقية لمجتمعات دأب الكبار على قيادتها منذ قديم الزمان، وهي أكثر من مجرّد حراك سياسي، وينبغي النظر إليها باعتبارها ثورة ثقافيَّة قادها الشبان الأكثر تعليماً وميلاً للانفتاح على بقية العالم.


والآن، وبعد 10 سنوات، كبرت تلك الأجيال ودخلت سن الرشد، ولكنّها لا تزال تعيش حالة الشك والقلق، ويبدو لها المستقبل قاتماً وعامراً بالتحديات والأخطار التي لم تشهد مثلها من قبل، ولا بد لهذه التجربة المريرة التي دخلت عقدها الثاني أن تشكل عاملاً مساعداً على تحفيز الرغبة على التطور والسعي لتحقيق أسباب الانسجام والتسامح على جميع المستويات.


ولا ننسى أن ثورة الإنترنت التي انطلقت من وادي السيليكون في كاليفورنيا، وجدت جذورها في الأرواح الشابّة الباحثة عن الحرية والمتحمسة لها، ويمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تمثّل حجر الأساس الذي تقوم عليه هذه الحركة الثقافية الجديدة، انطلاقاً من زخمها التطوري السريع وقدرتها المشهودة على الاستفادة من موقعها الجغرافي، وحسن إدارتها لمشروع التلاقي الفكري والتجاري بين الشرق والغرب، وبما يعكس تاريخها الطويل كمفترق طرق بين الحضارات.