الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«بنية تحتية» للعقل.. لماذا؟

قيل إنّ لكل فعل أو حدث حيزاً مكانياً وزمانياً، ولكل أمر معنوي أو نظري أو قيمي ترجمة على أرض الواقع، ولك فكرة أو خطة أو مشروع، أدوات وسياقات وبنى تحتية تُنفّذ من خلالها.

إنّ أعمق وأدق التصورات والأفكار هي تلك التي يُجريها الدماغ عبر عملياته المختلفة بكل تفاصيلها وخطوطها، وهي المنتجة للإبداع والابتكار، وبالتالي حتى ينتج العقل المعرفة والعلم، لا بد له من بنية تحتية شاملة يعمل ضمنها، تكون مُشكّلة من حرية تفكير، ومنظومة تشريعات وقوانين خادمة، وتعليم مُتقدّم، ومؤسسات ومنشآت متخصصة لكل مراحل بلورة الفكرة وتبنيها وإخراجها منتجاً ملموساً، ودعم مالي بميزانيات كافية، ورعاية كاملة، وعوائد وأرباح، وتحفيز وتكريم وتقدير عالٍ.

وغنيٌّ عن القول إنّ أغلب هذه العناصر من المُفترض أن تقوم بها الحكومات، إضافة للقطاع الخاص، فنلاحظ اليوم مثلاً أنّ هناك بنية تحتية كاملة للأفكار والتفكير عند الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وغيرهما، وتتنافس هذه الدول في مدى القدرة على توفير الحد الأعلى من ذلك لساحاتها، بينما لا يتواجد ذلك في دول العالم الثالث، فيحصل أن تهاجر الأفكار إلى حيث البيئة الحاضنة، خاصة أنّنا في عصر تدويل الفكرة وعولمتها، وتخطيها عناصر المكان والزمان والحواجز المادية المختلفة وغيرها، حيث تستطيع الوصول وبوقت قياسي للمتبني الجاهز لتلقفها، إضافة إلى ذهاب حاملها بنفسه إلى تلك الساحة الجاذبة، وهو ما يخسره العالم النامي بكل تأكيد، تحت ما يُعرف بهجرة العقول ونزيف الأدمغة.


إنّ الأصعب حقيقة من عدم توفر بيئات احتضان وبنى تحتية للأفكار والعقول في دول العالم الثالث، هو التضييق عليها تحت مسميات ومبررات مختلفة، قد تكون سياسية أو قانونية أو مادية أو فنية أو بيروقراطية أوغيرها، تفتقد أحياناً للمنطق والإقناع، خاصة أنّ هذه الدول لا تزال تقع في دائرة التبعية للعالم المهيمن، الأمر الذي يفقدها القدرة على بناء قدراتها بنفسها، وتحقيق قدرٍ عالٍ من الاستقلالية، وإخفاقها في رسم خطط نهوضها وتقدّمها، وبالتالي فإنّها بأمس الحاجة إلى توفير وإعداد وصناعة ما يخرجها مما هي فيه.


والمستغرب حقيقية، أنّ يتم في دول العالم الثالث، توفير بُنى تحتية لعدد من المجلات الحياتية المختلفة، في حين أنّها على أهميتها لهذه القطاعات، لا تُوَفّر للعقل والتفكير والإبداع والابتكار، وهي العمليات القادرة على عمل وتأسيس وإنتاج وصناعة كل البنى التحتية الأخرى وتطويرها وحل مشاكلها.