الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

فرنسا.. والانسحاب من مالي

على إثر الانقلاب المُضاد الذي قام به عسكريون في مالي دُق ناقوس الخطر في العاصمة باريس، إذ سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجيته جان إيف لودريان بالتهديد بسحب القوات العسكرية من مالي، إذا لم تكن هناك ضمانات لمرحلة انتقالية سياسية.

ليست هي المرة الأولى التي يلوّح ماكرون بالانسحاب من مالي والمنطقة، فبسبب تنامي الشعور الحاقد على التواجد الفرنسي في المنطقة، وبسبب الخسائر البشرية التي تطال الجيش الفرنسي بوتيرة منتظمة، أكدت فرنسا خلال عدة قمم مع الدول الأفريقية المعنية بأمن واستقرار بلدان الساحل أنها ستنسحب في حال استمرت بعض دول الساحل في تبنِّي خطاب مزدوج اتجاهها.

فهي في الوقت الذي تطلب منها مساعدة عسكرية لمحاربة المجموعات الإرهابية، التي تحاول السيطرة على الحكم في المنطقة، تشجّع شعوراً مضاداً للمصالح الفرنسية، يجعل من فرنسا الجهة المسؤولة عن كل المآسي التي تعيشها شعوب المنطقة.


ومع الانقلاب العسكري الثاني الذي عاشته مالي، ظهر لدى السلطات الفرنسية تخوف واضح من أن يعبد ذلك الطريق إلى تحالف بين القيادة الانقلابية والمجموعات الدينية المتشددة لتقاسم السلطة، وهي فرضية ترفضها قطعاً باريس، لما تحمله من مؤشرات تشجيع عناصر الفوضى والحرب في المنطقة.


وتعبيراً عن خطوة المنعطف الذي تسبب فيه هذا الانقلاب، رفعت فرنسا بطريقة استعجالية تداعيات هذا الملف الأمني إلى الأمم المتحدة، كما وضعت في صورة هذه التطورات إدارة الرئيس جو بايدن. وبموازاة هذه الخطوات حذرت فرنسا مجموعة قادة دول غرب أفريقيا من مغبة التعاطف مع الانقلابيين، وكان موقف المجموعة أن علقت عضوية مالي فيها في انتظار جلاء الأمور.

لا أحد صراحة يصدِّق أن الرئيس الفرنسي سينفذ تهديداته على المدى القريب بسحب خمسة آلاف جندي من عملية «بارخان» الفرنسية المتواجدين في منطقة الساحل لمحاربة المجموعات الإرهابية، لكن هذه المواقف الفرنسية تعكس مدى تخبط المقاربة الفرنسية في المنطقة.

فمنذ بداية هذه الأزمة الإقليمية، راهنت فرنسا على إمكانية تقوية الجيوش المحلية، وتسليمها تدريجياً مسؤولية محاربة الإرهاب، لكن هذه الخطة لم يحالفها النجاح لحد الساعة، بسبب مواقف بعض الدول التي تفضل التفاوض مع المجموعات المتشددة، وتقاسم السلطة معها عوض محاربتها، والإجهاز النهائي على مشروعها السياسي، وهذا ما يغضب فرنسا، ويجعلها مرتبكة في مخططاتها العسكرية الإقليمية.