الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

حروب داخلية.. لماذا؟

المُتتبع لقضايا الحروب التقليدية والصدامات العسكرية المباشرة عالمياً، يلحظ حدوث تغيرات جوهرية تخص ذلك، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وعقب انهيار الاتحاد السوفييتي وإثر ظهور العولمة، وبسبب التطورات الرقمية الأخيرة.

ففي أثناء النظام الدولي ثنائي القطبية، توقفت الحروب العالمية الكبرى، وبقيت الثنائية والأشكال الأخرى، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي جرت بعض الحروب الدولية والإقليمية كحرب يوغسلافيا والعراق وأفغانستان، لتصبح بعدها أكثر الحروب الممارسة داخلية، سواء كانت سياسية أو إثنية أو مناطقية أو انفصالية، ما يستلزم طرح السؤال الآتي: لماذا يحصل ذلك، وما المغزى منه؟.. الإجابة حقيقة تتطلب معرفة أسباب امتناع حدوث الحروب الكبرى بأشكالها التقليدية، ومن ذلك: عدم تحمّل الساحة الدولية لهذا؛ حيث الكلفة الباهظة عسكرياً وبشرياً واقتصادياً، ووجود الردع النووي، وبروز بدائل كثيرة لذلك، كحروب الوكالات، والحرب الإلكترونية والرقمية والتي جعلت تجاوز الحدود الجغرافية والسياسية أمراً سهلاً، وخصخصة الحروب، والصراعات الاقتصادية الفكرية والثقافية البديلة.. وغيرها

أما ما تعلّق بحدوث حروب داخلية كثيرة ومستمرة، فلذلك عدة تفسيرات أهمها: أن بعضها يُمثّل تجسيداً واضحاً لحروب الوكالة، وجعل الحاجة دائمة للرعاة المركزيين من الدول الكبرى، والتي تستطيع من خلالها تطبيق استراتيجياتها وتحقيق أهدافها دون أن تخسر شيئاً، بل ستربح كثيراً من ذلك، خاصة مبيعات الأسلحة؛ ففي النزاعات الداخلية يكون بيع السلاح لكل الدول المجاورة للنزاع، ولكل الأطراف والجماعات والمكونات الداخلية، عكس النزاع الثنائي بين دولتين، حيث البيع لهما فقط، إضافة لقضايا الاقتصاد والإعمار والعقود وغيرها، وقد تكون لدعم وتمكين طرف إقليمي معين للسيطرة على المنطقة، ولإبقاء بعض المناطق والأقاليم في دائرة التخلف والحرب.


وهناك أيضاً عامل آخر مهم وهو العولمة؛ فهذه الموجة العالمية وتجلياتها كانت عنوان مرحلة ما بعد الحرب الباردة، حيث أحدثت تغييرات تاريخية وجذرية على كافة المستويات البشرية، منها: إضعافها للرابط القومي والوطني، والدفع باتجاه ظهور ولاءات فرعية على حساب الولاء الجامع، وذلك باتجاهين: عند الأفراد أولاً، وهو متعلق بالانجذاب للنموذج الغربي الذي يُوفّر للفرد حقوقه وحاجاته، وكان ذلك بالهجرة واللجوء، والثاني عند المكونات الإثنية والمناطقية الداخلية، حيث الرغبة بالانفصال لأسباب تاريخية وعرقية، أو سياسية كفشل الدولة المركزية في تحقيق العدالة والمساواة والحقوق للجميع، إضافة بالطبع لعوامل داخلية معروفة.


نعم، قد تكون هناك أسباب وافتراضات أخرى لذلك، لكن المهم هنا، الإشارة لهذه الظاهرة الآخذة بالاتساع، خاصة في مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا وبعض الأقاليم الآسيوية وغيرها، لنكون ربما أمام مشهد دولي جديد يخصّ الحروب والنزاعات العسكرية عنوانه: مرحلة الحروب الداخلية غير النظامية.