السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

القيمة والثمن.. في هذا الزمن

روي عن الإمام علي بن أبي طالب - كرّم الله وجهه - أنه قال: «قيمة كل امرئ ما يحسن»، تلك هي القيمة أن تحسن أفعالك وصنعتك وحرفتك، أما نحن فإن قيمة كل امرئ عندنا ما يدفع وما يقتني، قيمة كل امرئ قدراته الشرائية، والغنى عندنا اقتناء، بينما هو في الحقيقة استغناء.

وأنا لن أسبق أحداً في الاقتناء لكنني سأسبق الجميع في الاستغناء، والاستغناء انتصار في معركة جهاد النفس بينما الاقتناء هزيمة، ومن أسف أننا ربطنا بين القيمة والثمن، وبين الجودة والسعر، ويقول المثل العامي المصري (الغالي ثمنه فيه)، أي كلما غلا كان قيّماً وجيّداً، وبذلك صار رفع الأسعار نوعاً من الدعاية للسلعة والخدمة.

وأذكر أن أحدهم قال لي إنه ذهب إلى أكبر طبيب عيون في البلد فسألته: وكيف عرفت أنه الأكبر والأعظم؟ فقال: تذكرة زيارته بألف جنيه! وهكذا استغل كثير من التجار وذوي المهن كالطبيب والمحامي والمعلم الربط بين القيمة والثمن في رفع الأسعار، على أساس أن رفع الأسعار يزيد الإقبال عليهم، وهكذا استفحل الغلاء لأنه سلوك شعبي وليس رسميّاً.


وقال لي أحد الأطباء مرة: لو أنني خفضت أسعاري ما أقبلَ المرضى على عيادتي، لأنني سأكون في رأيهم طبيباً رخيصاً لا يوثق به، فمكانة المريض عند أهله أن يذهبوا به إلى طبيب غالي الثمن.


هكذا يفعل التاجر والمحامي والمعلم والإعلامي، فكل منهم يرى أن قيمته في ثمنه وأنه يجب أن يرفع أجره أضعافاً ليبدو أكثر قيمة وجودة، ويكتسب احترام من يعمل لديه، وهو ليس معنياً بأن يحسن عمله أو يكون ذا كفاءة وموهبة، وهكذا شاع الغش في السلع والخدمات على أساس أن الناس يعميهم السعر المرتفع عن القيمة والجودة، فهم مشغولون باقتناء الغالي لا باقتناء الجيد وهم مشغولون باستعراض عضلاتهم الشرائية ليقال إنهم أثرياء، أما القيمة والجودة فلا وجود لهما في فكرهم، فقد ارتبطت القيمة بالثمن في هذا الزمن!