الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

فُوبْيا العودة

يضم «مخيم الهول» في محافظة الحسكة، قرب الحدود السورية العراقية، 62 ألف شخص، ضمنهم نحو 30 ألف عراقي، أغلبهم نساء وأطفال وكبار السن. جزء كبير من هؤلاء نزح إلى سوريا من المدن العراقية الحدودية بقصد الانتقال منها إلى تركيا، ومنهم من أجبرهم تنظيم «داعش» على الانتقال من المناطق التي خسرها إلى أخرى في مدن سوريا، ومنهم أفراد عائلات مقاتلي التنظيم.

وبناءً على قرار سابق، أعادت السلطات العراقية، الأربعاء الماضي، نحو 100 عائلة عراقية من مخيم الهول إلى مخيم «الجدعة» بمحافظة نينوى، وفقاً لتفاهمات مسبقة، تسعى لتسوية هذا الملف.

وعلى الرغم من تأكيد الأجهزة الأمنية العراقية أن العائلات التي أعيدت ليست من «عوائل داعش»، بل إنها نازحة بفعل المعارك والعمليات العسكرية في المدن العراقية المجاورة لسوريا، وانتهى بها المطاف في المخيمات، إلا أن إعادة هؤلاء اللاجئين أثار غضب أهالي المحافظة الرافضين لقرار العودة.


الرفض الذي عبرت عنه العشائر وبعض الفصائل السياسية في العراق، يعكس صورة مصغرة مما يحيط بملف العائدين من سوريا من فوبيا الإرهاب وأيضاً من مزايدات سياسية، وما يحيط به من تعتيم إعلامي وما يطرحه من تحديات، مقابل الهواجس الأمنية والمخاوف المجتمعية من عودة المقاتلين وعائلاتهم، التي قضت أشهراً عديدة داخل المخيمات، وربما تم تدجينها بأفكار متطرفة أو على الأقل تمَّ تطبيع أطفالها مع مشاهد العنف، لكن هل رفْض عودة اللاجئين والمقاتلين وعائلاتهم هو الحل؟ بالتأكيد رفض العودة أو البحث عن حلول غير منطقية كاستمرار عزل أهالي المقاتلين واللاجئين داخل مخيم الهول أو نقلهم من مخيم لآخر، أو محاكمة المقاتلين الأجانب خارج بلدانهم، أو سحب الجنسيات منهم ورفض استعادتهم واستعادة أطفالهم، ليس حلاً، بل سيزيد من تعقيد الأزمة، وسيحول مخيم الهول وغيره إلى حاضنة لتفريخ الدواعش، خاصَّة في ظل الظروف غير الإنسانية التي يعيشونها هناك، وازدياد فرص استقطابهم وتجنيدهم من طرف العناصر المتطرفة.


قد يكمن حل هذه الأزمة الإنسانية والمعضلة الأمنية في تفكيك المخيمات، وتسريع وتيرة عودة كل لاجئ أو مقاتل وعائلته إلى بلده ضمن خطة واضحة ومدروسة من كافة أبعادها، ليحاكم فيها طبقاً للقوانين الوطنية، أو يخضع لبرامج إعادة التأهيل والإدماج.

صحيح الكلفة المادية ستكون عالية جدّاً والمجازفة الأمنية مرتفعة، لكن سيبقى هذا القرار هو الأفضل، والأقل خطراً على أمن المنطقة والعالم، وإلا سنفاجَأ بجيل جديد من الإرهابيين المتخرجين في رحم المخيمات، سيكون أكثر عنفاً ودموية.